“جحود الوالدين”

✍️سارة محمد محمود

“أنا لست المُجرم، بل أنتم، أنا مجرد ضحية نتاج أهل عقيمي التفكير”

هل للأب، والأم حق وأد أطفالهم معنويًا، وليس حقيقيًا؟ أليسَ هناك عقاب على أذيتهم لأولادهم؟ هل ضرر الأهل يُعالج، ويتعافى منه الأبناء؟

يظن الناس أن الأب، والأم هما مجرد ملائكة، لا يوجد عليهم ذنب، حتى وإن قتلوك، مهما تماديا فهما مالكيّ أمرك، وهما من يتكفلا بك، وبكل ما تحتاجه؛ لذا اصمت مهما بلغ بك الأذى.

سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عندما قرر أن يذبح ابنه إسماعيل -عليه السلام- كانت رسالة ربانية، أمر إلهي، وأطاعه الولد ثقةً في الله -عز وجل- لكن أن يأتي شخص أميّ الفكر، ويقول أنه مهما عانيت مع والداك تحمل؛ لأن النبي الذي هو نبي تحمل، ووافق، وأطاع أباه، فهذا جهل؛ لأن الله لم يأمر أي أب بإيذاء ولده، بل أمر سيدنا إبراهيم لغاية، ولتعليمنا، فلا ننساق خلف أي شيء بلا أي ذرة عقل.

عندما يصبح الأهل مصدر خوف، وقلق، ويُشعِروا الأبناء بأنهم منبوذون من الذين يُفترض أنهم جيشهم الحامي، فهم لا يستحقوا أن يملكوا هذه النعمة من الأساس.

إذا كنت ستُنجب طفلًا، وتذله بالمأكل، والمسكن، والملبس، فلا تنجبه، هو ليس عبدًا عندك، وهو لم يجبرك على أن تُنجبه، فإن لم تكن ناضجًا كفاية، فلا تُحضر أمراض نفسية متنقلة، لا تحضر أشخاص مشوهة؛ بسببك!
كما لك كأب، أو لكِ كأم حقوق، فهم أيضًا لهم حقوق! كل شخص يجب أن يؤدي ما عليه، حتى يأخذ ما له.

هناك قصة رُويت عن ابن الجوزيِّ حيث قال:
“جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عُمر الولد، وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد:

  • يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟
    قال:
  • بلى
    قال:
  • فما هي؟
    فقال عمر:
  • أن ينتقي له أمًا لا يُعيّر بها، ويحسن تسميته، ويعلمه القرآن.
    فقال الولد:
  • يا أمير المؤمنين إنّ أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، فأما أمي فهي زنجية كانت لمجوسي، فأنا أُعيّر بها، وقد سماني جعلًا “خنفساء”، ولم يعلمني من القرآن حرفًا واحدًا.
    فالتفتَ عمر إلى الأب، وقال له:
  • جئتَ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأتَ إليه قبل أن يُسيء إليك!”

فولدك له حقوقه كاملة، وإن قصَّرت ستُحاسب كما سيُحاسب هو، فمن حقه أن يشعر بحبك، وحنانك، وعدم التفرقة بينه، وبين إخوته، ومن حقه أن يشعر بخوفك على مصلحته، وبأنك صديقه، ولست مجرد والي عليه، ومن حقه أن يعيش حياة طيبة، وله حق الترفيه، ومن حقه أن يتعلَّم، وأن يلبس أفضل الثياب، كل الأشياء المادية في حدود المقدرة، لا أقول أن الأب عليهِ أن يقتل نفسه حتى يفعل هذا، لا، بل يفعله في حدود طاقته، لكني أخاطب المانعين.
وكما قد يكون هو ابن عاق، فأنتم أيضًا قد تكونا والدين عاقين.

خاطب الله الأبناء في كتابه العزيز بقوله تعالى:
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”
(سورة الإسراء 23).

الله أمرهم بالإحسان إليكم، وأمرهم بطاعتكم، ونهاهم عن قول أُف التي هي مجرد كلمة من حرفين! فهل هذا يعني أنك تفعل ما شئت؟ وهل هذا يعني أن تتمادى، وأن هذه الآية تعطيك سلطة دائمة للتمادي؟كلا، كل واحد منا له يوم، أنت تتعامل مع روح، وستحاسب عنها.

أنت مسؤول كما هو مسؤول، أرجوك تفهَّم أنه ليس آلة؛ لتحقيق الأحلام، ولجلب المتطلبات، وتنفيذ الأوامر، هو مجرد بشر في بداية حياته، سينفذ ما تعلَّمه، وسيحضر أشخاص تحتضر نفسيًا، وجسديًا إن كنت مؤذيًا معه، ف يكفي تشويهًا في المجتمع، وإن كنت أب مؤذي، وأردت تصحيح أخطائك، فأعتقد أن الوقت لم يفُت، اجلس مع ابنك، واعتذر عن كل ما بدر منك، ولا تنتظر منه أن يُسامحك فورًا، بل أعطه وقته، وإن كان الألم أكبر من أن يُشفى باعتذار، فعيادة الأطباء النفسيين في الخدمة؛ لمساعدتكم، عسى أن يكون هذا سبب للتخلص مما يؤرقه.

إن كنتما والدين جديدين، فأتمنى أن تصلحوا تنشئة ما بين يديكم، حتى تَصلُح الرعية.

error: Content is protected !!