
دومًا ما يأتني ذاك السؤال الخارق بأوقات انهزامي ووحدتي، فتسألني نفسي الخانقة:
لماذا ينتهي بنا الحال وحيدين؟، هل نحن منفران؟، ألا يحق لنا أن ننعم بالرفقة حتى لو لحين!
حسنًا، هذا حديث الشراب، أظن أنك انتهيت هنا لا مزيد من الشراب لك.
قالها صديقي وهو ينظر إلى عدد قناني الجعة الفارغة أمامي ليجدهم اثنتين … ليس الحد المسكر على الأطلاق، ولكنه لا يعلم إنها لا تحتوي على الكحول.
اللعنة تلك القناني لا تحتوي على الكحول، صديقي أنت يجب أن تتحدث إلى طبيب نفسي.
أخذ يقلب صديقي القناني وهو لا يصدق أنها خالية من الكحول، هذا الأحمق يريدني أن أتحدث إلى طبيب نفسي، لا أظنه تحدث قبلًا إلى صديقي “يونس”.
أنتم بالطبع تعرفون “يونس” جيدًا، الرجل بإمكانه تناول الطبيب النفسي على الأفطار، إنه أبرع من أي أحمق منهم، على الأقل بعدما أفرغ منه لا يطلب مني المال، وثقوا بي لو كنت أملك المال ثمن جلسة واحدة عند طبيب نفسي فلا أظن أن شئ يستطيع إختراق جلدي، أعتقد أني سأكون محصنًا من الطاقة السلبية، وإن لم أكن فمبلغ مثل هذا من المال يمكنه أخذ أحزاني ورميها في أعمق نقاط البحر بينما أنا في المصيف!
رحل صديقي تاركًا بقاياي تجادل بعضها، لم يكن جدالًا أكثر منه استجواب، فبدأت خلايا عقلي تعاملني كمعارضة تحاول الاستيلاء على الحكم، وسلطت عليَّ ما يبدو كأحد ضباط الاستخبارات، ذو الملابس القاتمة، والنظارات السوداء المتمثل بنفسي التحليلية.
بدأت نفسي التحليلية تناقش ذاتي البائسة والتي لا تدري ما الذي جرها لتيارات المعارضة تلك، فكالشاب الذي تجره الأحداث إلى مسرح الجريمة فيصبح مشتبها به، يبدأ كل شيء عندما يخبره صديقه أنه مجرد تعبير عن الرأي سلمي، هو الطريقة المثلى لإخراج كبتنا وأننا نملك صوتًا لا يستهان به.
رباه ما أصعب التشبيه! ولكن كما بدأت حياة ذلك الشاب بالتدهور بسبب حدث بسيط، بدأت حياتي بالتدهور أيضًا بسبب حدث بسيط، وهو أنني ولدت، وهكذا بدأ كل شيء بالانهيار.
بدأت المحادثة بين بعضي ودودة، ثم تحولت إلى استجواب عنيف وانتزاع اعترافات، وانتهت بالتفكير هل إذا سقطت من ارتفاع عالٍ إلى أرض مصقولة سأتهشم كالبيضة وتنسكب أحشائي خارجة مني، أم ستنهرس أعضائي داخلي دون أن يتأثر شكلي الخارجي؟ فأنا لا أريد أن يتكعبر منظري بعد كل هذه التمارين الرياضية، حتى وأنا ميت لا يعني أن أهمل الاهتمام بمظهري.
ويجلبني الحديث عن مظهري للحديث عن إلى أي مدى سأظل وحيدًا، يتجاذب بعضي أطراف الزمن فأنظر للمرآة فأجد بضع شعرات بيض يحاوطن شعري، أغمض عيني لوهلة فأجدني قد غارت عيناي ووقعت أسناني، يا إلهي كم تقتل الوحدة العمرَ، وتشتت الشباب كتفريق الدبابير لمستعمرات النحل.
يقول يونس في جملة ما قال:
شعورنا أننا نحتاج لأحدهم هو ما يخلق شعور الوحدة، كل منا لا يحتاج إلا نفسه فرئتيك لن تتوقف عن العمل إلم تجد أحدًا بجانبها، لقد رأيت كم هو مؤلم شعور الوحدة، وكم هو مدمر للجمال بداخلك وملتهم لشبابك، ولكن الوحدة وحش أنت تخلقه وأنت تربيه، مالم توجده لن يوجد، ومالم تغذيه لن يكبر، وإنما الوحدة تتغذى على الأشخاص، فكلما ذاد اعتمادك على الناس، ذادت وحدتك إذا رحلوا.