قصة قصيرة
يجلس على مكتبه يدخن السيجار بشراهة، لا يعلم كيف وصل الأمر بهذه القضية لدرجة معقدة، يشعر بأن كبرياؤه تم خدشه بعد هذه القضية، مدحت الذي لا تقف أمامه قضية، لكن هذه القضية وقفت أمامه كالريح العاتية التي تقتلع النبتة من أصولها.
دخل أخاه الذي اقتحم غرفته فجأة قائلًا: مدحت، ما بك؟ ألا تريد أن تأكل؟
قال مدحت بهدوء غريب عكس ما بداخله: لا أريد، لدي عمل
كمال: ألا تريد أن تشاركني ما بك؟ ما هذه القضية التي تعزلك عنا؟
قال مدحت بسخرية: تريدني أن أقول لك وغدًا أجد نفسي بالصفحة الأولى بجريدتك.
كمال: ألا تريد أن تساعد أخاك في سبق صحفي خاص، كيف لا تساعدني؟ أنت اخي.
مدحت بغير اهتمام: لا أريد، عملك منفصل عن عملي.
كمال: حسنًا، ألا تريد معرفة ما فعلته مؤخرًا على المدونة الخاصة بي؟
مدحت باهتمام: ماذا؟ أي مدوّنة؟
كمال: لقد قمت بعمل مدوّنة خاصة بي استقبل عليها آراء العامة في بعض الأمور.
مدحت: جيد، وماذا في ذلك؟
كمال: ألا تريد أن تعرف ما السؤال الذي طرحته مؤخرًا؟ سيثير فضولك حتمًا.
مدحت: ماذا؟ لا تثير فضولي أكثر من اللازم.
قام كمال بفتح حاسوبه المحمول وعرض على مدحت ما يقصده.
مدحت بسخرية: ماذا؟ مواقف ليس لها تفسير؟ أنت تمزح
كمال: ما رأيك أن تقرأ؟
مدحت: قبل أن أقرأ أريدك أن تعلم أنني لا اصدق ذلك.
كمال: إقرأ وستعلم بنفسك.
بدأ مدحت يقرأ تعليقات الناس:
- منذ عام مضى رأيت حُلمًا بأنني أموت ونجوت من الموت بأعجوبة لأستيقظ، وبعد عدة أيام أخبرتني أختي أنها انقذتني من الموت في حلمها.
- منذ أربعة أعوام أتى إلى امي اتصال من أحد المستشفيات وقالوا أنهم آسفون لتبليغ أمي بوفاة أختي بسكتة قلبية، أختى كانت تقف بجانب أمي، وبعد عدة أشهر توفت أختي بسكتة قلبية بنفس المشفى.
- عندما كنت جالسة بالمنزل رن الهاتف الارضي وكان المتصل رقم هاتفي، لقد تركته بغرفتي أقوم بشحنه، عندنا رفعت السماعة سمعت صوت موسيقى صاخبة أغلقت الخط وذهبت لأتفحص هاتفي ولم أجد أنني اتصلت على الهاتف الارضي.
- هذه القصة لصديقتي، كان لديها فستان أبيض تضعه في دولابها وفجأة اختفى وبعد مدة ظهر وكان ملطخ بالدماء.
- عندما عدت من العمل سمعت صوت زوجتي تقوم بالغناء لطفلنا الصغير، لكن بعد ثوانٍ وجدت الباب يُفتح وإذا بزوجتي كانت بالخارج.
- عندما كنت أنا وزوجتي نقضي العطلة بمحافظة أخرى، ذهبنا إلى فندق وحجزها غرفة، لكن ما إن دخلنا الغرفة وجدنا رائحة كريهة جدا، اتصلت على الاستقبال وقالوا أن نذهب لتناول الغداء في مطعم تعويضًا عما حدث، بعدما ذهبنا الغداء وعدنا وجدنا نفس الرائحة أيضًا، اتصلت على الاستقبال مرة أخرى، اعتذروا لي وقالوا أن نذهب في نزهة حتى يتم تنظيف الغرفة مرة أخرى، وعندما عدنا وجدنا نفس الرائحة الكريهة، بدأت أنا وزوجتي نبحث عن مصدر الرائحة وإذا بجثة بين المرتبة والسرير.
-أحد طلابي في حصة الرسم قام برسم طائرة وقال بصوتٍ عال: إنهم محاصرون هنا، ثم قام برسم نيران وقال: لقد ماتوا جميعًا، الغريب بالأمر أن ذلك حدث يوم اختفاء الطائرة الماليزية الشهيرة.
- كنت نائمة ووجدت امي توقظني وتتحدث معي عن أمر لدى خالتي، ثم نمت مرة أخرى، وعندما استيقظت حاولت معرفة ماذا حدث مع خالتي في هذا الأمر؟ شعرت امي بالاستغراب وقالت أن خالتي تحدثت معها في الصباح عندما كنت نائمة عن هذا الأمر لأول مرة، وأنها لم توقظني لتتحدث معي.
- كنت ذاهبة إلى منزل صديقتي وهو بمنطقة نائية قليلًا، عندما ذهبت إلى منزلها وجدته متهالك، اتصلت عليها لكنها لم تجيب، قمت برن جرس المنزل وإذا بصوت عجوز يقول من؟ ثم اختفى الصوت، ظللت أرن الجرس ولم يفتح لي أحد، ذهبت لأجد عربة استقلها للمنزل لكنني وجدت عجوز دميمة اخذتني معها إلى منزل صديقتي رغمًا عني وقامت بإطعامي طعام لا اعرفه وليس له طعم وكان المنزل متهالك وكانت تقوم بطقوس غريبة حتى سقطت مغشية ولم أشعر بنفسي إلا في الصباح، خرجت من المنزل اهرول إلى أي مكان وإذا بي وجدت شاب يستقل عربته، قصصت له ما حدث واخذني إلى منزلنا، والداي كانوا خائفين وقاموا بإبلاغ الشرطة، بعدما مر على ما حدث عدة أيام اتصلت بصديقتي أخبرها ما حدث ضحكت بشكل مرعب وتحول صوتها إلى صوت العجوز التي ارغمتني على المبيت معها، أغلقت الهاتف ولم اتصل بصديقتي هذه مرة أخرى.
انتهى مدحت من قراءة ما بالمدونة وقال لكمال: هل تصدق هذا الكلام؟
كمال: لمَ لا؟ هذا الأمر شيق للغاية.
مدحت: إنه غير ممتع لي، لا أعلم ما صدق هذه القصص من كذبها، لكنني لا أصدق سوى ما حدث للرجل وزوجته بالفندق.
كمال: لأن هذا عملك إيجاد الجثث والتحقيق بأمرهم.
مدحت بتفكير: كيف لم تكتشف السيدة التي قامت بتنظيف الغرفة الأمر؟ هلا أرسلت لي اسم الشخص الذي ارسل هذه الرسالة؟ أريد التواصل معه بشأن هذه القضية وأين حدثت؟
كمال: هلا قمت بحل القضايا التي لا نهاية لها في عملك ثم أبحث عن قضايا أخرى، ثم إن هذه المدونة بها أسماء مستعارة وشخصيات وهمية لا تستطيع الوصول إليهم بهذه السهولة.
مدحت: المرة القادمة قم بطرح سؤال عن قضايا القتل إذا شاهدها أحدهم من قبل وأعدك أنني سوف أروي لك ما حدث بالقضية التي أعمل عليها الآن.
كمال: تقول ذلك لأنك تعلم أنني لن أجد أشخاص شاهدوا قضايا سواك أنت والمحققين.
مدحت بسخرية: لا تقلق ستجد الكثيرين.
كمال: لم تقل لي ما رأيك بما قرأت؟
مدحت: لا أصدق ما كُتب، لا أحب أن أتطرق إلى هذا النوع من القصص، المواقف المرعبة عقلنا من صنعها، الله ذكر الجن بالقرآن، لكن عقلنا من وقت لآخر يلعب معنا، لا يوجد مواقف ليس لها تفسير، كل شيء يحدث لنا له أسباب منطقية بعيدة كل البعد عن تفكيرنا، نحن فقط نريد أن نحصره في هذا الاتجاه، إذا لم نعلم ما السبب الآن سنعلمه لاحقًا حتمًا، وإذا لم نعلمه سندرك منه الحكمة عندما نصبح عقلانيين، أو لا حكمة من هذا الأمر سوى تنفيس انفعالي من العقل الباطن.
