ابداعات

رجال لم تدق الجرس

ناجي شاهين

أما نساء القرية فلا يبتهجون أو يختلسون لذتهن إلا إذا دق رجالهن الأجراس المعلقة أعلى الباب، وكيف يدقون الأجراس إذا اعتادت ظهورهم الانحناء؟ فتمر الأيام والشهور ويزدادون انحناءً فوق انحنائهم فلا يُدق لنساء القرية جرسًا.فى شمال القرية يسكن رجل وحيدٌ اعتاد العسس سلب قوته فبات يخاف الوقوف حتى لا تلمس رأسه الجرس فيأتي العسس، وكيف ينتصب وبات حاميه حراميه؟ وأين لنساء الدار بهجتهن إذا كانت أجراسهم لا تدق إلا برؤوس العسس؟ فصار مصدر لذتهن الوحيد بابًا للقلق فلا تسمع الأجراس إلا ويخالطها صوت النحيب.

وعلى النهر ترى ذلك الغفير الذي تحاوطه قصور إخوانه تُدق أجراسها أعلى من أجراس الكنائس بينما يسكن بيتًا من الطين تنظر نساءه إلى القصور في حسرة ويسمعن أصوات الترف المصاحبة للأجراس فيتطلعن إلى أجراس كوخهن التي خالطها الصدأ فلا تدق إلا كل عام على استحياء وبصوت لا يكاد يغادر الجرح.

فيصيب قلوبهن كره لذلك المتراخي الذي لا يقوى على الانتصاب، وكيف ينتصب وقد مال جزعه حتى كاد يلمس الأرض من تعب العمل ليل نهار سعيًا لكسب قوت يومه بينما إخوته ينعمون في خيرات القرية؟ ذلك المسكين الذي يرى نظرات الحزن على وجه نسائه فيتحامل على عموده المنحني ويجبر عظامه على الانتصاب ولا يكاد يصل للجرس فيصارعه الفكر في غده غير الواضح المعالم ويخذله ظهره فيتساقط كخيط “النودلز”.

بينما تظن أن الأمن والمال سيجعلون الرجال يدقون الأجراس فيخيب ظنك عندما ترى الرجل راقدًا على المخمل، متدثرًا بالحرير يعيقه “كرشه” وتخنقه التخمة فتبحث نساء القصر عمن يدق لهن الأجراس، ولكن تبقى أجراسهم صامتة، مختبئة، مختلسة لا تجرؤ على الإفصاح وحتى لو علت الأجراس وغطى صوتها على أجراس الميلاد وترانيم الأعياد لا شيء يضاهي صوت أجراس رجالهن.

يا لها من خيبة أمل تغمر قريتنا، فلينكسر الرجال ولتحتد النساء، اختلت الرجال فسكنت الأجراس فملت النساء وماتت البهجة في قريتنا، فمن لنا برجال تدق الأجراس وتعيد الأمجاد.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *