ابداعاتقصص

رؤية افتراضية

✍️ رحمة سلام

 لا أدري حقًا متي أُصبت بهذا المرض اللعين، ربما وأنا مُتخلً عن مبادئي، أو عندما استسلمت للواقع، ماذا بك ياريان، ماذا جري معك؟ يبدو أنه قد فات الأوان، لم يأتي أمامي إلا مشهد متكرر لم يفارق خيالي، أغمضت عيني وأطلقت العنان، كنت في وقت راحة العمل، احتسي قهوتي، متأملًا شوارع المدينة من خلف زجاج مكتب ثم أنهال علي مسامعي صوت صاخب، أنهم زملائي في العمل مجتمعين في وقت الراحة، يبدو أن الأمر مُعقد للغاية.

لفت انتباهي جملة واحدة يردّونها بسرور “موافقون يابشمهندس سامر هذا الحل عبقري”، لم أفهم حديثهم ولن يهدأ بالي، وتطرقت بسؤال لإحدى زميلاتي في العمل: ليليان ماذا يجري هنا؟ردت: ” إنها صفقة العمر يا ريان أصبحت الشركة تابعة لنظام الميتافيرس”.رد ريان، بغصب “مستحيل من متي يترك إنسان عاقل الواقع ويعيش في حياة الهلاوس والتّخيلات”.

ردت ليليان ساخرة: ريان ليست هلاوس، هذا النظام أصبح طوق نجاة لكثير من الشركات في حل أزمتهم.. نحن بحاجة لراحة وعمل من بيوتنا”.

استدعي صوتنا العالي المهندس نبيل _مدير_ الشركة وقطع النقاش: “ريان منذ متي ونحن نعارض شيء في مصلحة الشركة، إذا لم يعجبك هذا النظام من اليوم.. اترك العمل واذهب كما تشاء لشركة ونظام يناسبك نحن الآن ورسميًا شركة “PMI” خاضغة لنظام الميتافيرس”.تصاعدت المشاجرة بداخلي وذهبت إلى مكتبي، لم أفكر إلا في شئ واحد.. الميتافيرس ونظارة الواقع الإفتراضي، لم أصدق كلمات زملائي وماحدث..

معقول أنا مُخطئ وهذا القرار الأسلم في حل أزمة الشركة..

أم لعنة ويجب إيقافها.ذهبت إلى منزلي بعد يوم حافل بالإجهاد ولم يعد أمامي شيء غير الاستسلام لنظام الشركة الجديد، أمسكت بهاتفي وأرسلت رسالة نصية علي موقع الشركة، “أنا معكم متي سنبدأ”، لم أتصور بأن موافقتي علي هذا النظام الجديد وعملي عليه سيحقق ذلك النجاح والطفرة التي لم تحققها الشركة على أرض واقعية.. ما هذا العالم الغريب من المُستفيد من كل ذلك..

يا للعجب التواصل البشري أصبح مستغنىِ عن أشخاص حقيقين، مازلت أؤمن بأن هذا النظام سـيفشل ولن يستمر في شركتنا.

استيقظت في صباح باكر، أنهيت عملي واحتسيت الشاي، لم أعتاد علي هذا الروتين المُمل كل يوم، فأنا شخص يحب الخروج والسفر ويفضل التعامل مباشرة مع البشر.لم يعد أمامي في ظل الفراغ الذي انتابني سوى ” نظارة الواقع الافتراضي” أريد أنا أكتشف ما بهذا العالم ارتديت النظارة وشردت بعيدًا، وبدون أي مقدمات وجدت نفسي داخل مدينة لم أشاهدها من قبل، أتجول داخل شوارعها الجميلة الهادئة الخالية من البشر تمامًا، أكملت سيري بـإستغراب من رقي المدينة، ثم أتى نور قطع خطواتي..

إضاءة من بعيد.. ربما ظل برج أو مبني يرتفع عن الأرض بالكثير من الأمتار، يبدو إنني أعرفه أو ربما شاهدته من قبل إنه برج إيفل ماذا أتي بىِ إلى هنا؟ يقطع تساؤلاتي صوت أمي تناديني”هل أنت بخير يا بني، أُناديك منذ وقت ولم تسمعني”، نهضت بهلع وخلعت نظارتي.. عقلي يكاد أن يتوقف تمامًا.. هل ما شاهدته حقيقي..

ظننتُ إنني في مشهد واقعي وفى الحقيقة أنا مازلت مُتواجد بغرفتي.واصلت شرودي مرة أخري وفي هذه المرة رأيتُ سفينة عملاقة تقترب من الشاطئ الذى أجلس عليه، وسمعت صوت أمي تستغيث وتنادي “يأبني ممكن تساعدني فى النزول” أمي لم تعرفيني بعد.. أمسكت بيدها ووصلت إلى الميناء بسلام وأكملت طريقها، ينتهي مشهد السفينة..

وأجد نفسي بداخل غرفة مغلقة تمامًا أمامها حارس يرتدي زيه المعتاد والمتعارف عليه “زي الشرطة”، شعرتُ بإختناق شديد تتصاعد فيه أنفاسي بصعوبة.قُمت بنزع النظارة ورميتها بعيدًا.. شربت بعض المياه، قلبي يكاد أن يتوقف.. مالذي يجري..

أصبحت مدمنًا، لم أستطع التوقف عن استخدمها، أذهب وأُسافر وأصعد إلى الفضاء وأنا في غرفتي، وفي يوم شعرتُ بالإرهاق..

صداع شديد أمسك برأسى، خرجت؛ لأتنفس الهواء في شرفتي الخاصة وفجأة رأيتُ شخصًا يجلس بجواري يشبه أبي يتحدث عن طفولتي وشوارع المغرب والمنزل الفاضل والمبادئ التي تربيت عليها. شعرت بنوبة هلع ونهضتُ مسرعًا إلى غرفتي هل هذا يُعقل..

تُوفي أبي منذ خمسة سنوات وما الذي يقوله..

لم يتبقي أمامي سوي المحاولة الأخيرة لكي أفهم..

أمسكت بنظارتي مرة أخرى ووجدتني بداخل شوارع طنجة، ذاهبًا إلى بيت الطفولة ولكن الغريب في الأمر عند وصولى..

وجدت أبي يتحدث مع أختي بسمة، ويقول: ” قد تتخلي عن مبادئك يابسمة ولكن سرعان ما تعرفي أنك علي صواب.. كوني كـالنور وسط العتمة” كانت هذه جملة أبي الشهيرة التي يردّها أمامي مُنذ صغري..

صراع يدور بداخل رأسى ما الذي يجري.لم تلتفت أُذناي سوي لصوت أحدهم يأتي من التلفاز، موسيقي حماسية عالية، يبدو أنها قد مرت علي مسامعي من قبل..

نشرة الأخبار العاجلة يردد فيها المذيع بنبرة حادة “أيها السادة المواطنون، نظرًا لكم الكوراث المهولة التي خُيمت عليكم مُنذ ظهور نظام الميتافيرس ونظارات الواقع الافتراضي، أناشدكم التوقف عن استخدامها والتوجه الضروري إلى المصحات النفسية”..

وقع هذا النبأ كـالصاعقة علي أذني، هل هذا صحيح، هل أنا أحلم..

لم أستطع التفرقة بين الواقع والخيال، لم أعرني بعد.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!