سياحة

إخناتون موحدًا . . أم ملحدًا؟!

✍️محمد علي الأخرس

هل نادى أخناتون بالتوحيد بالفعل؟ وما هى حقيقة الدين الجديد الذى نادى به وطبّقه؟، وإلى أى مدى وصل تأثير هذا الدين على الناس؟

كثير من المؤرخين قد كتبوا عن توحيد إخناتون، بل إن البعض تمادى وتجاوز إلى الفخر بالديانة الجديدة، و اعتبر إخناتون أول موحد فى التاريخ.

وقلة أخرى من الباحثين قد أعتبروه الملك الموحد فى عهد نبى الله يوسف عليه السلام، وهو الذى رأى حلم السنابل والبقرات السبع وأنه آمن بالله، ونبيه يوسف عليه السلام وحدثت تحريفات بعد ذلك فى تاريخ إخناتون، وتلويث لسمعته؛ مما أدى إلى ذكر الإله آتون الذى أعترف به إخناتون .

واعتقد بعض الباحثين الأخرين أن إخناتون كان ملحدًا؛ بل أكدوا أيضًا على أنه هو فرعون موسى، وكانت وحدانيته تتمثل فى إدعائه للألوهية، ومطالبته للناس بعبادته من دون الله، لكن هذا الرأى لم يؤخذ به، ولاقى اعتراضات كثيرة لقلة الأدلة عليه.

فلندع كل هذا جانبًا، ولنفتح برديات الماضى؛ لنرى بوضوح أهم الأحداث التى وقعت فى عهد إخناتون وهل كان موحدًا بالفعل أم كان ملحدًا.

من هو أخناتون؟
أخناتون، أيضًا تُهجّى إخناتون؛ ويعني ( الروح الحية لآتون ) عرف أيضًا قبل العام الخامس من ملكه بـ أمنحوتب الرابع، كان فرعون من الأسرة الثامنة عشرة حكم مصر لمدة 17 عاماً، وتوفي ربمّا في 1336 ق.م أو 1334 ق.م، يُشتهر بتخليه عن تعدد الآلهة المصرية التقليدية، وإدخال عبادة جديدة ( تركزت ) على آتون، التي توصف أحيانًا بأنها ديانة توحيدية أو هينوثية -( الهينوثية أو الوحدانية المشوبة، هي عبادة إله واحد أساسي، دون إنكار وجود أو احتمالية وجود آلهة أخرى أدنى منه. صاغ فريدريك شيلن هذا المصطلح، ثم استخدمه فريدريك فيلكر لتصوير الوحدانية البدائية في أوساط الإغريق القدماء) – ، تمثل نقوش مبكرة آتون بالشمس، بالمقارنة مَع النجوم، ولاحقًا جنبت اللغة الرسمية تسمية آتون بالإله، مُعطية إياه الإِلَوهِيَّة الشمسية مكانة أعلى من مجرد كونه إله.

حاول إخناتون إحداث مفارقة عن الدين التقليدي، ولكن في النهاية لم يكن مقبولًا، فبعد وفاته تم استعادة الممارسة الدينية التقليدية تدريجيًا، وبعد بضع أعوام لم يكن بعض الحكام دون حقوق واضحة للخلافة من الأسرة الثامنة عشرة فأسسوا أسرة جديدة، وأسَاؤوا لسمْعَة إخناتون وخلفائه، مشيرين إلى أخناتون نَفسِه بأنه «العدو» في السجلات الأرشيفية.

كانت دولة إله الشمس ذات الاتساع الشاسع المدى قد بدأت مع عصر الأهرام، لكن هذا الإله كان يحكم مصر فحسب وكان مركز عبادته في «هليوبوليس» (عين شمس حاليا بالقرب من القاهرة)، ونجده في أنشودة الشمس بمتون الأهرام يقف حارسًا على الحدود المصرية؛ ليقيم الحواجز التي تمنع الأجانب من دخول مملكته المحروسة (مصر ) ، وتعددت عبادة آلهة مختلفة في أقطار مصر، إلا أن كان هناك إله ذائع الصيت من شمال مصر وجنوبها، ذاع صيته خلال الدولة الحديثة وأصبح آمون رع، وحرص كل فراعنة الدولة الحديثة على إقامة المعابد والصروح له في طيبة (الأقصر حاليًا). من هؤلاء الفراعنة الذين اهتموا بطيبة تحتمس الأول وتحتمس الثاني والملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث .

وأصبحت طيبة بمثابة أكبر معبد في العالم لعبادة إله، وكان هذا الإله آمون رع. كانت آله أخرى تعبد في مناطق مصر المتعددة إلى جانب آمون رع الذي عـّزي إليه انتصارات المصريين منذ أحمس الأول على الهكسوس وطردهم من مصر. فكانت حروب تحتمس الثالث في بلاد النوبة والشام مثلا تحت رعاية ونصر من آمون. واختلفت دعوة أخناتون عن سابقيها بوحدانية هذا الإله وعالمية هذا الإله حيث كان رب كل الناس المصريين والأجانب وأراد إخناتون (أو أخناتون) بهذا الدين الجديد أن يحل محل القومية المصرية..

وقد هَجَرَ الملك إخناتون طيبة برغم ما كان لها من السيادة والأبهة بعيدًا عن كهنة آمون وسمَّى نفسه (العائش في الصدق) وأقام له حاضرةً جديدةً وسماها أخيتاتون وهي تل العمارنة بمحافظة المنيا حاليًا. إلا أن كهنة آمون رع في طيبة قاوموا أفكاره ورفضوا دينه الجديد.

من المهم أن نحدد معنى التوحيد الذى نقصده، هل هو سمو الإله عن كل ما هو إنسانى، وفصل ذاته وصفاته عن صورة البشر، أم مجرد تفضيل وإعلاء لإله ما على ما عداه دون نكران لغيره كما فعلت ثقافات قديمة فى أوقات الحروب،أو كما فعل إخناتون لأسباب نفسية خاصة؟! فالقول “إن إخناتون هو أول الموحدين” يعنى ضمنًا ربطه بما تلاه من ديانات “توحيدية” هى اليهودية والمسيحية والإسلام، ويعنى ضمنًا فصله عما سبق من آراء عقائدية أو مايسمى تعددية الآلهة، فقراءة “حالة” آخناتون فى سياقها التاريخى – أى قراءة الأحداث و الداوفع ومحتوى الخطاب اللاهوتى لمرحلته – تصدمنا بتفاصيل كثيرة من بينها أن إلهه الواحد “آتون” لم يكن منفردًا بالألوهية، فإلى جواره وضع إخناتون نفسه وزوجته نفرتيتى باعتبارهما صورة من “شو” و “تفنوت” الإلهين الأولين فى أسطورة خلق الكون المصرية القديمة، ووضع أُمه أيضًا باعتبارها زوجة إلهية أو ظل الشمس “آتون” ضمن أسطورة الميلاد الإلهى لإخناتون من أب إلهى و أم بشرية .

و لم يقتصر الأمر على الجانب الطقوسى، بل جعلها زوجة له هو نفسه فى إطار اسطورة أخرى باعتباره صورة إله قديم “كا موت إف” ( ثور أمه )

تفصيلة أخرى تصدمنا أن عداء أخناتون كمؤمن بآتون لم يكن موجهًا إلى جميع الآلهة الأخرى بل فقط موجهًا إلى آمون لأسباب لا تخلو من الصراع على السلطة وظل تقديس إلهة أخرى حتى فى مدينته الجديدة أخيتا تون.

والجديد أيضًا ايضًا نفى أخناتون أن يكون نبى لآتون بالرغم أنه سمى نفسه ( كبير كهنة آتون ) كما كان يقول لآتون ( لا أحد يعرفك غير ابنك إخناتون ) وذلك لم يمنع وجود وظيفة “النبى” فإخناتون نفسه عين “بار ع نفر” ( صاحب الاسم الجميل ) فى منصب “المشرف على أنبياء جميع الآلهة”، و الأكثر طرافة أن الشخص هذا نفسه شغل منصب كبير كهنة آمون بعد وفاة إخناتون.

محاولة تصحيح الصورة الذهنية السائدة – فى وقتنا الحاضر – عن إخناتون الموحد والتى ترتقى ال مستوى ” الأسطورة” عند العامة و”المسلمة البديهية” لدى شريحة ليست قليلة من المشتغلين بعلم المصريات، والتاريخ الإنسانى، ليست جهدًا بسيطًا بل تحتاج إلى دراسات وأبحاث مكثفة لا يتسع المجال للخوض فيها حاليًا.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *