ابداعات

معرض الكتاب ورسالة لكل كاتب

✍️عبدالله الحداوي

في المعتاد فإن لمصر دور هام في إقامة مهرجان ثقافي ضخم يقام في كل عام، يجتمع فيه كبار الكتاب على أرضها،

وكأنها أمٌ تقيم اجتماع في كل عام لكل المثقفين العرب، وتطمئن على استمراريتهم ووجودهم، وربما من أهم ما يميز معرض القاهرة الدولي للكتاب، هو أنني أرى ذلك المشهد الذي قد لا تراه، ولن تراه في هذا المكان، وعلى هذه الأرض، وهو اجتماع العرب جميعًا على قلب واحد في مكان واحد وهدف واحد وأعظم به من هدف.

ليس للعرب وحسب نصيب من هذا المهرجان الثقافي العظيم، بل أذكر أنني صليت قرب أناس من شرق أسيا وغربها، وأفارقة وغيرهم كانوا جميعًا يقفون في صف مهيب مع منسقي المعرض أصحاب الستر الزرقاء، يصلون خلف شاب لا يبدوا أنه مصري قط، ولكن ها هنا، وفي هذا المكان والمقام، يتحدث العقل والمنطق والإنسانية، وترفع الحدود والفواصل العنصرية التي لطالما قيدتنا، هنا حيث لا صوت يعلوا فوق صوت العلم والإنسانية.

ولكن ليس هذا ما أود الحديث عنه، كزائر للمعرض جلت في أرجائه اختار بعض الكتب وتقصدت أن أختار كُتبًا لكتاب جدد معاصرين، وهنا رأيت العجب، ولكي أكون منصفًا أغلبها كان يستحق أن ينشر في مكان كهذا لتماسك المحتوى وقوته في السرد والمعاني والبلاغة وطرح القضايا، وبعضها لا يستحق حتى أن تقف لحظات وتتصفح محتواه، وهنا أسوق السؤال وأتوجه بالحديث لأصحاب الدور الذين صار غالبيتهم يتعاملون مع الأمر كتجارة بحتة، فإذا كان الناشر ولا أقول الكاتب، فإنها والله كلمة كبيرة على مثل هؤلاء، يمتلك المبلغ الكافي لنشر العمل، فإنه وبكل بساطة يُنشر! وتلك طامة لو كنت تعلم، هو لا يعلم أنه بهذا النجاح المبتذل يشوه صورة الكتابة والكتاب ويزيد مكاتب اليوم مللًا فوق مللها وفراغ على فراغها، ونحن اليوم أحوج إلى من يعيد الشباب إلى القراءة لا أن ينفرهم منها.

وعلى هذا أسوق للقارء بعض النصائح بحكم خبرتي المتواضعة وتجربتي القصيرة، لكل من يريد أن يبدأ بالكتابة فعليه أن يعي هذه القواعد، وهي قواعد بعيدة عن الأدب والعلم باللغة، أنا هنا اتحدث عن قواعد أخلاقية، قبل القواعد العملية للكتابة.

وأولهارغبتك بالكتابة لو لم تكن موجودة رغم الظروف والمشاغل، و كانت رغبة موجودة من تلقاء نفسها في قلبك وعقلك وكيانك فلا تكتب.ثانيًا: إذا لم تكن على استعداد لتجلس لساعات طوال أمام شاشة الحاسوب أو الورقة والقلم وتعطي من وقتك ويومك لهذه الجلسة التي قد لا تكتب في نهايتها إلا سطرين فقطفلا تكتب.ثالثًا: إذا كنت ستبدأ بالكتابة من أجل المال أو الشهرة أو زيادة عدد علاقاتك الإجتماعية أو من أجل شخص معين بعينه، فانسى الأمر تمامًا ولا تكتب.رابعًا: إذا كان مجرد التفكير بالكتابة والجلوس الطويل شاق عليك وممل بالنسبة لشخصك، وجربت وجلست أكثر من مرة وكانت النتيجة هي اللاشيء ولا حتى كلمة واحدة، فدع الكتابة وجرب شيء آخر.خامسًا: إذا كنت تحاول التشبه أو تقمص دور شخص آخر في كتاباتك، أو تقلد أسلوبه و تكتب على أساس نظرته للحياة، فلا تكتب أبدًا.سادسًا: إذا كان كتابك وكتاباتك لا يقرأها سوى المقربين منك من أهل وأصدقاء ومحبين يتكرمون عليك بالحب دون سبب، ويجاملونك في رأيهم بما يخص ما تكتبه، فدعك من الكتابة، سبق وقلت في مقال ” لهذا نتأخر ” أن للكتابة هيبة، فيجب أن تحمل في عقلك وقلبك هدف وفكرة وقضية لكي تكتب، دعم وسائل التواصل الإجتماعي كاذب في أغلب الأحيان وقد يصيبك بالغرور ويخلف في أسارير نفسك شعورًا زائفًا بالرضا عن نفسك، ويرسمك كشخصية بطولية وهمية مثقفة موجودة بيننا، ولكنك في واقع الحال مجهول تمامًا، لأن الهدف من البداية لم يكن يحمل طياته محتوى هادف أو فكرة تستحق المناقشة أو قضية.سابعًا: إذا كنت تدرس اللغة العربية، ولديك الموهبة في كتابة الخواطر القصيرة، لكنك تأتي عند صناعة محتوى أدبي متكامل وتقف، فلا تكتب، أصبر على نفسك وزد من قرائاتك، وعندما يتم اختيارك لهذا الأمر ستخرج الكلمات بعفوية منك دون جهد يذكر، أذكر أنني قرأت مقالة للشيخ محمد ابن عطاء الله السكندري قال فيها: من أُذن له بالتعبير، حَسُنت في مسامع الناس عبارته.عندما يسمح لك بالتعبير سيصبح كلامك في مسامع الناس مقبولًا.

ثامنًا: الكتابة لا علاقة لها بالماديات ولا تحتاجها.تاسعًا ومهم جدًا : الكُتاب عزيزي القارئ، أصبح لهم في يومنا هذا نمط وشخصية معينة رسمها المجتمع لهم، وهي شخصية العميق الحذق الناقد العارف بكل شيء، يرى الناس في جهل ويترفع عن أي مناقشة لا يرى فيها أن من يناظره في تقارب بالفكر والمستوى، وهؤلاء كثر مع الأسف، ولذلك قد لا تجد دعمًا وتشجيعًا ممن حولك حتى من المقربين منك، فلا بأس في أن تسمع عبارات السخرية والإخباط، فلو لم تكن مستعدًا للمشي عكس التيار، ولديك من سعة الصدر والصبر على كل ما ستواجهه، فلا تكتب.عاشرًا: أخيرًا وأهم النصائح لكي تكون كاتبًا متمرسًا، فهناك قاعدة لا عذر فيها، وهي أن تكون قارئًا من الطراز الرفيع، ومطلعًا على أكثر من أسلوب لأكثر من كاتب ومتذوق لأكثر من لون من ألوان الكتابة؛ لأن أسلوبك الأدبي سيكون مقتبسًا من عدة أساليب قرأتها ولكن بلمستك الخاصة.وهذا ما كان في جعبتي لكم، وأكرر أن هذه النصائح ليست إلا تجربة شخصية قابلة للنقد والرفض والخطأ، ولكنني رأيت أنني مسؤول إذا ما علمت ما قد يفيد غيري وكتمته، لربما كلمة واحدة تكون نورًا وأملًا لقلم لازال يرتجف على أعتاب الورق، ينتظر من يرشده، والله من وراء القصد.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!