ابداعاتخواطر

ما الذي يجبر المتعبين على اللعب

✍️ عبدالله الحداوي

ما الذي يجبر المتعبين على اللعب؟هذا السؤال تجلى في مخيلتي، أثناء تصفحي لبعض الكتب في المكتبة المصرية العامة، أطفال، ونساء، ورجال بلغوا من الكبر عتيا، تواجدوا في أرجاء المكتبة، كأنهم حبات مسبحة مباركة فرط عقدها فتناثرت، ما الذي يدعوا هؤلاء إلى القراءة، والبحث عن مصادر لكتب قديمة؟

وما الذي يجعل بعض الناس إلى هذه اللحظة يواصل رحلته العلمية بالرغم من علمه! إنّ زماننا صار ماديًا بحتًا يشترى فيه كل شيء، حتى الضمائر الغائبة تستيقظ حين شرائها بل، وما الذي جاء بكاتب مثلي؛ ليكتب في هذه المنصة؟ يستمر لاعبوا كرة القدم باللعب حتى الثواني الأخيرة، ويستمر المشجعون في الهتاف، والتشجيع رغم علمهم بأن المباراة ستنتهي، والسؤال هنا: ما الذي يجبر المتعبين المواصلة في أي شيء يفعلونه؟

في حديثي مع أحد أصدقائي الذين يدرسون العلوم السياسية، ذكر لي ذات مرة مقولة من كتاب يقرر عليهم في معظم الجامعات حول العالم، والقاعدة تقول أن الحرب لا تنتهي بين طرفين، إلا باقتناع الطرف المغلوب أنه قد غُلب، وإلا فإنها تبقى كامنة في السلام المزيف، كمون تنتظر أول فرصة، لتخرج كالماء المغلي من الينبوع.

وحربنا اليوم يا صديقي كما ذكرت في عدة مقالات، صارت حرب فكرية، أقرب منها إلى الحروب التي يحمل فيها السلاح على الجبهات، والجهل والفساد، والتَفَلُت من قيم الدين، وضياع المبادئ، هي الانتصار اللعين الذين يبحثون عنه.

وإذا سألتني من هم؟ سأخبرك بأن في سؤالك يكمن الرعب الأكبر، نحن أشبه بمن يجلس في غرفة معزولة على جدرانها دماء من خسروا قبله، وفي منتصفها طاولة عليها رقعة شطرنج كل القطع فيها سوداء، ما عدا قطعة واحدة يمسكها الطرف الأول، ويلعب ضد مجهول في رقعة، تغيرت أماكن المربعات فيها، وخطوط سير البيادق، نحن لا نعلم فعليًا ضد من نلعب، ربما ضد عدو خفي، أو فكرة، أو حتى ربما نلعب ضد أنفسنا، ولكننا في النهاية، والأهم أننا نواصل اللعب، والمقاومة إلى هذه اللحظة.

استمراريتنا في كتابة مقالات ربما لا يقرأها أحد، وتصميم البعض منا على قراءة كتاب، أو كتابة محتوى، أو رسم لوحة، بل أقول استمراريتنا في الابتسامة، وإلقاء النكات والضحك في واقع كهذا تحمل في طياتها رسالتين، قد يعمى البعض عنها…

أما الرسالة الأولى: فمع كل كتاب ينشر ومع كل لوحة ترسم وكل فكرة تثبتُ وتُدَرس، ففي هذا انتقام ضحوك باسم صامت لمن ظن أننا قد انتهينا، بل ها نحن ذا من كل عاصفة نلم شتاتنا، ونجمع أفكارنا، ونخرج ونعود كما العائدون من الأُخدود المحترق.

وأما الرسالة الثانية: فهي للخصم الخفي الذي على الجانب الآخر، نعم قد نكون لا نعرفك، ولكن أنظر إلى عدد الزائرين لمعرض الكتاب مثلًا.

وكم عدد الكتب التي قد بيعت ومن أين جاء هؤلاء في خضم كل تلك الأزمات التي يعيشونها؟ فإن دل هذا على شيء ما، فهو يدل على أنك يجب أن تدرك بإننا لم نقتنع بعد بأننا هُزمنا، وأننا نرى ارتجافك كل ما أمعنت في إخفائه.

يا هذا الزمان، لا حل لورطتك معنا، ولورطتنا معك، سوى أن يرضى أحدنا ويقتنع أنه مهزوم، وهذا كما ترى بالنسبة لنا محال، ولن ينتهي هذا الصراع إلا إذا رضينا، وكل ما دون هذا فهو هُدنة ترى فيها قرب نهايتنا، ونرى فيها بصيص الأمل، كغيمة فوق أرض تحتها صدور تغلي، و عقول تحمل الفكر كما يحمل النخل الرطب، لابد لغيمة المرتجفة فوقنا بأن تمطر، ولابد للجهل أن يُمحى، ويأكل الجميع من رطب ذاك النخل الشامخ الذي لم يسأم من وقوفه، ولا بد لنا أن نكون كما نريد في يوم من الأيام، وكل متوقع آت.

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!