ابداعاتخواطر

ثلاثة أرواح

هاجر متولي

أريد أن أخذ نفس مقدار ما أمنح” عبارة يرددها كل منّا لذاته كثيرًا، ولا يعلم أهو يملك الحق في طلب ذلك أم لا؟ كل منًا يعاني من اضطرابات سلوكيًة دون أن نعي أننا مرضى، وإن حالفنا الحظ بأن يتم التصريح لنا بذلك، نرى تقبلنا له صارم، وكأنه أراد أن يشوهنا، ورغم علمنا التام بأن بنا شيئًا يسكننا _ لا نعرف هويته، ولا نستطيع التكيف معه_ ولكن هل المرض النفسي سبة أو لعنة لصاحبه؟ ترانا نظل طوال أعمارنا نلهث خلف أشياءٍ تشكل هويتنا، وما نود إلا أن نصبح اختيارًا أولٌ حقيقي لدى مَن نرغب رفقتهم في رحلتنا، وألا يكون إفلات يدينا في منتصف الطريق أمرًا واردًا أبدًا.

وتجد أشخاصٌ يراودها الخوف من أن تصبح وحيدة بين ليلةٍ وضحاها، فتتملك من ترغبهم بشكل مخيف، وتسقط عليهم الاتهامات الدائمة بالبعد، وتجعلهم مسخًا لذواتهم، وهي لا تعلم أن هذا ما هو إلا مرض نفسي يعلن توغله، ويوضح كافة صوره.

وآخرين لديهم مخزونٌ وافرٌ من الأيام التي عانوا فيها من فكرة عدم كفايتهم، فتجدهم يبحثوا عن الطمأنينة بين الناس، وأعلم كم يبدو ذلك أمرًا مثيرًا للشفقة أغلب الوقت؛ لكنهم حصدوا ما يكفيهم من خيبات الأمل خلال الكثير من السنوات، فلا يستطيعوا الافلات _ كأطفال بلا أمهات_ وهم يتمنوا أن يتخلصوا من هذا القلق لبعض الوقت؛ ليلتقطوا أنفاسهم برويةٍ _ دون الشعور بأنهم كاهل لمن يريدوا رفقتهم.

وكأن لكل منّا ثلاثة أرواح، روح كانت في ذاته الأولى بنقائها وسذاجتها_ وثانية قد خلقتها قسوة الأيام، وأخرى يشكلها حيثُ يشاء _ كعنف، أو انحراف، أو انعزال _ وكأنها نوع من الفتور لتلك الذوات الأخرى، وتصبح ذاته تائه بين هذه الصور حتى يسقط جسده، وتعلن ذاته أنها صحيحة وهي قد تشوهت بشكل تام.

الاضطراب النفسي يا سادة _ ضريبة يدفعها كل منّا لتقبله لأشياء قد فرضت عليه _ ولا يسلم منه أحد، فأكثر الأقوياء، والأذكياء، ورجال الدين على قدر من الانكسار، ولكن من يرى مرضه سبّه سيبقى بصورته المشوهة، ومن أراد العيش بسلام، فعليه أن يتقبل اضطراباته ويكشف عن أسبابها، حتى يتخلص من مرارة ألمه، وقبل أن يتفاقم به الأذى، فيصبح بصورة تخيف كل من يحيط به، ويظل وحيدًا يتمنى كل يوم أن يتخلص من قسوة الأيام.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!