ابداعاتخواطر

عملات ذهبيةمزيفة

محمود أحمد محمد

كثيرة هي المواقف الصعبة التي نحياها، محنة متصلة بصعوبات متلاحقة، مواقف تمر بشدتها في قاطرة متعددة السرعة والعواقب، يحتاج الواحد منا كل لحظة إلى من يحادثه و يؤانسه في وحدته، ويدفع عنه غوائل الدهور..

هذا الصديق لا يقدر بذهب، بل هو أغلى من كل المعادن على الإطلاق، فما أحد اختاره النبي محمد صلى الله عليه وسلم في رحلته الصعبة “الهجرة”؛ ليسافر من مكة إلى المدينة إلا صديقه الصديق أبا بكر…

وما كان يهون الدنيا وأمرها على الصحابة (رضوان الله عليهم) إلا أنهم وجدوا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صديقًا وفيًا، لا ينظر لأحدهم يرتجي أجرة على النصح، أو شكرًا على فعل…

وما كان الناس في عهد النبوة في مبدأ الحياة الإسلامية في المدينة المنورة إلا أن كان عند كل واحد منهم قطعة ذهبية غالية يشعر بها، ولعلك فهمت ما أرنو إليه -قلبا غاليًا لكل منهم- جعله يعتبر صديقه أخاه، ويقتسم معه أرضه، وماله، ويعرض عليه من متاع الدنيا ما يقيم به حياته، ويكفيه مؤنة يومه.

ولا إخالك تحتاج لأمثلة؛ فأنت تعرف ذلك أكثر مني.عرفت كم كانت تساوي قلوبهم، تخيلت رجلًا منهم تستحي منه الملائكة؟

أم تخيلت رجلًا منهم قدمه في الميزان أثقل من جبل أحد؟! هم حقًا سبائك ذهبية لا أحد يملك قيمتها إلا خالقها- سبحانه من إله- ، بل عملات نادرة في زماننا نحن، في عالم الزيف، نادرًا ما تجد مثالًا لهم أو شبيهًا..

وقد أسأت كعادة البشر في اختيار بعض الأصدقاء؛ فمعدنهم براق، إلا أنه في الحقيقة مع أول استخدام يذهب بريقه، وفي دقيقة تعلم الحقيقة! أشار أحد العقلاء قديمًا لأحد أولاده يعلمه أن الصديق الذي يستحق التكريم هو من يداوي غيره بدواء نفسه، ويؤثر أخاه على ذاته، ويحزن لداء أخيه وكربه، بل ويجري سعيًا لإطفاء الحريق الذي داهم بيت صديقه بالليل، وصديقه في غفلة الزمان يتقلب، ولا يدري ما الخطب؟!

قال العاقل الحكيم لابنه: اذهب لأصدقائك وادعهم لهذا الطعام، ولا تأت إلا للمخلصين في ودهم، فقال الابن وكيف أعرف ذلك يا أبي؟!_

فقال الوالد: اخرج إليهم في لهفة مستغيثًا بهم، وأخبرهم بحريق يحدث في بيتك الآن، فأيهم أسرع إلى نجدتك فهو الجدير بالصداقة، وجدير أن يشاركك في طعامك، وعيشك، وملحك.

فلما فعل ذلك الابن لم يسرع إليه من الذين حوله إلا القليل، فذهبوا جميعًا، فلم يجدوا شيئًا مما قال، فأطعمهم وقال لهم:أردت أن أرى فيكم معدنكم الذهبي الخالص بعد أن كانت معي عملات ذهبية مزيفة وقد ذهبت.العملات الذهبية كثيرة، ولكن اشغل نفسك بالخلاص منها ما دامت مزيفة، وستجد المعدن الخالص في حياتك، بل في شدائدك، فمن رحم المحن تولد المنح، وستجدها منحًا ذهبية خالصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!