ابداعاترسائل قلبيةقصص

صفحة من مذكرات طفل فلسطيني

الشيماء أحمد عبد اللاه

أسير في تلك القرية المتهالكة، المكتظة بحُطام المباني التي صمد بعضًا منها؛ لشدتها وكل تلك الشوارع المهدمة، أسمع صوت القنابل المتفجرة التي تنهال فوقي، أسير حتى أبحث عن ذرة حياة في هذا المكان. ‏

أنا ذاك الطفل الذي ولد في حرب، لم تنتهِ هذه الحرب بعد، وددت انا أحظى فقط بطفولة مثيرةٌ للفوضى بشكلٍ دائم، ومزعج، أقصى أمنياته اللهو في الشارع المقابل، لم أكن طفلًا ابدًا، خُلقت طفلًا مرفق عليه دلالة عدم الترف، والنعيم بل كُتب عليه الموت وفقد الحبيب، أصبحت قلوينا تعيش قلوبنا بهواء ملوث بدماء كل فلسطيني، أصبحت أعيادنا ملونة بلونٍ آخر، هو لون الدماء، والخراب، والدمار. إننا نعيش حتى يأذن الله أن نموت، وتنصرف أرواحنا المليئة بالجروح، تمنيتُ أن ألتقي بأمي وأبي، في تلك الجنة التي أحلم بها، إذًا إن لم تعلم أي شيء عن مما قلته سابقًا، فأهلًا وسهلًا بك في فلسطين الحبيبة.

‏مع كل خطوة أخطوها على تلك الأرض، يستحضرني كل تفصيلة من حياتي، أتذكر ليلة موت أمي، تلك الليلة المميتة، وقصف بيتنا، وكأنها الليلة الماضية، لم تكن جريمتنا، سوى أننا اجتمعنا على طاولة الطعام، قُصف بيتنا، ولم ينجو إلا طفلٌ وحيد، تائه، هذا الطفل هو أنا، كان الدخان، والغبار استحوذ على المدينة بأكملها، مما حجب ضوء الشمس القادم؛ حتى ترامي كل منا بعيدًا عن الآخ، بدأت الأسقف جميعها بالانهيار، سقطت علي الأرض كجثة هامدة، ظننت أنني في عداد الموتى ،جلست قليلًا، حتى أدركت انني علي قيد الحيا،ة استعدت قواي حتي أنهض، بدأت قطرات الدماء بالسقوط على جبهتي؛ حتي أدركت أنني تعرضتُ لنزيف حادٍ في رأسي، نهضت ولكن، جسمي ثقيل، عقلي مشوش، كان الهواء مشبع برائحة الموتى.

الجميع يصرخ وبحرقة، ، كل الذي يهمني هو البحث عن أمي ،كان نظري مضطربًا، لم أستطع النظر.جلستُ بضع دقائق؛ حتى أكون متزنًا، وبدأت أرى الأشياء بوضوح، رأيتُ جثة متفرقةٌ أطرافها تحت ركام سقف بيتنا، وذاك الركام يمنع ذاك الشخص من التنفس، ذهبت مسرعًا، أتفحصها حتى أجدها أمي، ملقاه علي الأرض، تنهمر الدماء من رأسها بشدة، أمسكت رأسها، ووضعتُ يدي متمنينًا مني أن يتوقف النزيف، بدأت تتلفظ أنفاسها الأخيرة، لم أتخيل ذاك المنظر، وكأنني في مشهد تلفزيوني، صرخت “أمي أمي “، انهض، وأنظر إلي السماء، ” لا تأخذها ارجوك يا الله، اعطنا فرصة أخرى، اتوسل اليك يارب، بدأت عيناي بسكب الدموع، وكأنها شلال لا يريد التوقف، حتى بدأت برفع إصبع السبابة، وكانت آخر كلماتها: قائلة ” اشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله “.

لتذهب إلى خالقها بدون معاناة، من شدة سكرات الموت، بدأ العالم في عيني كالظلام الداكن، لا أرى شيئًا غير منظر الجثث المصفوفة في كل مكان، حينها أيقنت أنني اصبحت، هيكلًا بلا روح داعيًا فقط، أن ألتحق بأمي في أقرب وقت، إنها فقط مجرد صفحتين من دفتر طفل فلسطيني..

واستشهدُ بقول محمود درويش:” سلامٌ لأرضٍ خُلقت للسلام، وما رأت يومًا سلامًا”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!