ابداعاتخواطر

أعواد الكبريت

بقلم:أحمد مصطفى

أشعل خمس أعواد من الكبريت
وترقّب احتراقهم كلهم مرة واحدة، ولا تنتبه إلى يدك، امنح كل تركيزك للثّقاب، وهي تحترق واستمع لصوت النار الذي يأكل ذرات الخشب البسيطة.

ألا يذكرك هذا المشهد بشيء ما؟ أن تكن طفلا ثم مراهقًا ثم رجلا ثم عجوزًا، وخامسًا أن تعيش حياتك، كيف أعيش تلك الحياة وأنا أمر بهذه المراحل؟ أمنح التركيز لمن؟ لحياتي وأترك احتراق جسدي؟ أم لجسدي ومظهري ومن حولي وأترك حياتي تحرقني بإزعاجها وطبيعتها القاسية؟ أم أنني أترك كلاهما؟ فلا يمكن ألّا أشعل الثقاب ولا يمكن أن أوقفها، إذًا أرحل، إذًا أنتحر، أكسر عود الكبريت، حتى لا تتسلل النار لآخره فأحترق فأكون منفيًّا لا أجد أثري يحافظ عليه أحد! وإن حاول أحدهم تفقّدي أصبحت رمادًا يتلاشى بأخذ جزء من الهواء.

هل خُلقت لأكون لا شيء؟ هل وُجدتُ لأحترق؟ أم لأنتحر؟ أم ليتسلل إليّ الخوف وأنا أكتب نصوصي تلك؟ يبدو أن الموت يراودني أكثر مما حاولت المراوغة منه دائمًا، أشعل خمس أعواد من الكبريت، ولا تنسَ أن تضعهم بالعلبة، حتى لا ترى ضوء الشمس، حتى تمت وتعش كأنّك لم تكن!

أتساءل دومًا عن إن كان ما أبحث عنه يبحث عني؟ أم أنني تائه في نفسي! أتساءل دومًا عمّا يدور برأسي، لماذا لا أفكّر برحيق الزهور؟ لماذا لا أفكر بأوّل ملعقة من الشهد تذوّقتها بحياتي؟ هل كان معكّرًا أم أن رأسي لا تجيد التفكير إلا بالوهن والضعف والألم، يبدو أنني أنهيتُ نصيبي من السعادة، فلا يوجد إلّا الحزن دومًا.

سأجلب أعواد الكبريت، وأُنشئ بها هيكلًا جديدًا، يشبه جسدي تقريبًا، من ثم أنظر إليّ بكل حب، وأجلس بجانبي وأُخبرني أن الحياة بخير وأنني سأصبح سعيدًا، وأن هذه أضغاث أحلام فقط، كم أتمنّى أن أحدثني! كم أتمنى أن أعيش بداخلي وأوجّهني إلى طريق السعادة، أو أن أُفقدني الذاكرة، ونرى هل يعود عقلي لأحزانه أم يتدبر توهّج الشمس مع البحر في لحظة الغروب والشروق، ويستنشق رائحة الفلّ والياسمين، ويمسك بوريقات عديدة يكن بها كلمة (ابتسم)، وينشرها على الأنام جميعهم.

وبعد ذلك، أخرج منّي وقد رأيتُ الزهور تنبتُ أعلى صدري، وزيّنت وجهي بدلًا من فمي، تخيّل! لقد أصبحتُ أبتسمُ زهورًا، فأقوم من جانبي، وآخذ آخر عود ثقاب وأُشعله بكل قوّة، استنشق معي تلك الرّائحة، استنشق معي دخان احتكاك العود بمُشعلِه، وانظر لألوان النار، فإنها آخر مرة ترى بها تنوّع الألوان! وفيما بعد، احرق تلك الزهور، احرق ابتسامتك وأعلى صدرك واحرق جميعك، مثلك لا يستحقّ الحياة، مثلك لا يستحقّ إلّا أن يسحق سحقًا لا يُتبقّى منه حتّى الرماد، حتّى الرماد.

ما رأيك بك وأنت لا شيء؟ ما رأيك بك بعدما ظننت أنك كلّ شيء؟ أيّها المُتفائل المتخاذل! أترى أنّك تستحق ذلك الأكسجين الذي تتتفّسه؟ إن كان ذلك حقًّا توقّف عن التنفس لمدة دقيقة، أو ثلاثون ثانية، وإن توقّف العالم عن الحركة فأنت تستحق، وإن لم يفعل وهو كذلك، فوجودك كعدمك، بل إن عدمك يُتيح الفرصة لغيرك أن يُجرّب تلك الحياة، ويسعد من ثم يقتل نفسه كما فعلت!.

أشعل خمس أعواد من الكبريت، ولا تنسَ أن تضعهم بالعلبة، حتى لا ترى ضوء الشمس، حتى تمت وتعش كأنّك لم تكن!.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!