ابداعاتخواطر

خلوة مع النفس

هاجر متولي

تسيرُ في الحياة وتعتقد في كل مرحلةٍ من عمرك أنك قد أخذت نصيبك من الفرح والمسرّات حتىٰ تجد في الطريق ما يُدهشك على الإنصات -أصدقاء جُدد، نجاحات صغيرة، هِباتٌ وعطايا ربّانية، سعاداتٌ مُختلفة لم تكُن تتوقعها أو تنتظرها- أو ربما بعض ما عجزت أن تقف أمامه، فسقطت ذاتك لقوته.

هناك ما يُقدره الله لنا، ويجعلنا نُغير مسارنا _في التفكير، أو التغافل، أو القرب من الله- ليس لشيء سوى أن الله يراه لا يشبههنا أو أنه يضعفنا فأذن لك بالابتعاد عنه.احيانًا نفقد القدرة على العتاب، على الركض في الطرق المجهولة، المناقشات الطويلة التي لا جدوى منها، ونجد أننا لا نملك الطاقة الكافية لبدأ علاقات جديدة، ولا نستطيع التشبث بأي شخص أو حتى التعبير عن مشاعرنا له، وكأننا فقدنا الشغف تجاه الكثير من الأشياء التي ننتظرها طويلًا، وأصبحنا نميل أكثر للصمت.

ثمة من لا يُقدر ما يُحل بك -رغم مروره وشعوره به- فتراهم ينقدونك بقوة، وإن استدعيت أن هذا ما فعلوه سالفًا يتذمروا ولا يقبلوا به، وينصحونك -وكأنهم انبياء الله- وعلى تصرفاتهم لم يسمح لك إلا بألتماس العذر لهم، وتراهم يستنزفوا عواطفنا بما مروا به، وإن تحدثت أنت عن ما تمر به وكيف أثر عليك سلبًا فلم يقدروا ذلك.

يعطون لأنفسهم الحق في كل فعل ونقد، ويروا أن كل فعل له أسبابه التي يجب أن تراعى، ويذكرون دومًا ان نصيحتهم لك ما كانت إلا خوفًا عليك، -وكأنه حق لهم وحدهم هذا الخوف- فهم ليسوا إلا ناقدين يمتهنوا ذلك.يقولون؛ بعد مرور العاصفة.. تصبح شخصًا آخر -لا ينتظر، لا يتمنى، لا يسعى، لا يفكر الا في مرور أيامه- وهي تسير في هدوء وسلام تام.

وها قد أصبحت رغمًا عنّك كذلك، تود أن تستريح، وأن تنام وتستيقظ وألا تكون مثقل من أشياء مضت، وأشياء لم تحدث بعد، وحديث بين ذاتك يخبرك أنك لا تناسب جميع الأماكن، وأنك هش إلى درجة لا متناهية.وكل شيء تمر به ما كان إلا بداية لمرحلة أخرى عليك الانتباه لها، فإن لحظة الإدراك قد بدأت عندما قطعتُ شوطًا طويلًا من الإصلاح؛ فتغيّرت، وما عُدت على ما اعتدتهُ من نفسك، وأن ما ظننتَ دوام حاله عليك قد تبدّلَ وتغيّر، وأن النضجَ نال من روحِك فأزهرَ بك.

فما عليك إلا أن تصمت قليلًا -فامراضك تأتي من الكلام- اصمت لأن ما بداخلك يأن، ويسألك أن تدعه وحده، ألا تتركه يلهث وراء الأشياء.تعلمتُ من الطب النفسي شيئًا هامًا، أن الإنسان قد يُشفَى بسماعه لصوته في الجلسة، سماعه وهو يحكي، وهو يحاور نفسه دون خوف ودون سجن…

حرية عظيمة وخلوة تلقي بالإنسان إلى مشارف الجنة، فالأنبياء لهم خلوات، والنجاحات لها خلوات، والأشياء المبهجة تأتي دومًا من الخلوات.

ففي قاموس أحدهم (فلانًا اختلى بنفسه = أنه في طريقه نحو الشفاء).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!