ابداعاترسائل قلبية

“الاكتئاب مُزحة”

لُجين سامِح

أن تمضي وحيدًا يلتهمك فتات الطريق، تتعثر بقدمِك الأخرى.. وتفزع لأنك غفلت عنها على الدرج، جوار الأيام المنكوبة.

والأسوأ من مضيّك وحيدًا، أن تعيش بين طيّات زمنٍ أغبر، لديه علامات الشيخوخة على وجههِ المتلوّن، عابرِيهِ تزلُّ نفوسهم عند أول محطّة من القطار..”الاكتئابُ مُزحة.”

هكذا يقولون، في الشوارع، على جُدران المعابد، في الكُتب الدراسية، في المحطات، على جوانب الطرق..أقول إنهم حمقى، كثرة النفي تعني هروبهم من الواقع الأليم، من كونهم جميعًا دُمى متنقلة من أصابع الزمن..إنّكِ يا أماه لا تعلمين كيف تستيقظين بعضوٍ مشلول داخل صدركِ، بحلقٍ مشوّهٌ من العباراتِ المخنوقة، بعينينٍ دمويتين خرجت من معركة العقل خالية الوفاض

.لا تعلمين.. كيف تسير الحياة بداخلي، لأنه ببساطة لا حياةلديّ زوجة.. لا يحمل وجهها لي أي اضطراب، لم أبصر معاني الحُبّ في عينيها، هجرهتها روحي.. في اليوم الأول من اللقاء.

بأنفاسٍ معدودةٍ أغلقُ على نفسِي الخزانة، لا أدرك لم يروقني الجلوس بها.. لكنني أشعر بأنني جُزء منها.العالم رماديّ متقطّع بالسواد، قال الطبيب ذات مرّة أنه فقط “عمى ألوان”.

أخبرته في خفوت.. أعمتني البصيرة.أضحك بشراهة كل يوم، لأُلفت نفسي بعيدًا عن الطعام..

لا أعلم الرابط بينهما، لكنني فقدت شهيتي تجاه كل شيء وللأبد.كيف يكون المذاق؟كيف تكون السماء؟ الليل؟ الصباح؟أسمع بأذنايّ وعقلي أسفل الحياة، يفكّر.. في ماذا؟ في اللاشيء.لدي صديقان، نجلس مساءًا في العراء، يتبادلون الحديث وأنا؟ صامت.. أسلمت لسانِي لعجلاتٍ مُسرعة، دهستها ومضت.أعمل.. كثيرًا جدًا ربما، طوال اليوم، في مكتبي الصغير في الزاوية، يتركزّ بصري على الشاشة.. أجد فيها نفسي، نظارة طبيّة.. ملامح شفافّة، عينان منتفختان.

يقولون أنني الأكفأ، الأوسم، الأكثر حظًّا..

ماذا تريد من الحياة أكثر من الحُب والمال والجمال والدهاء والصداقة؟أريد أن أرى الحياة، أن أشعر بالحبّ وأنا أتلمّس كفيّها، أن يخفق قلبي حين يتحدث أحد عنها، أن استلم جائزتِي وأنا مُبتسم، أن أتزحزح وأكون مُتحدثًا لا مُنصتًا، أن أرى المُتعة في السماء، أن يعود إليّ مذاقِي، وأراني بعينيّ حُلمٍ بعيد.

لديّ كل شيء، وليس لدي شعور.وقفتُ على حافة الشُرفة، عقلي يخبرني أن الأرض أجمل بكثير حين يطئها رأسي من الطابق العشرين.. هممتُ بالإجابة.

يد زوجتي التحفتني، أخرجتني عن مسار النزاع”ماذا تفعل؟””أرى الحياة..”لكنني لم أقوَ على رؤيتها من تلك الزاوية، من اللحظة الأخيرة فيها..

ماذا لو قضيتُ أربعون سنةٍ أخرى، لن يحدث شيء على العموم.لن يُلفتني ولا يتلفنِي شيء.. ستأتي النهاية، قريبًا أو بعيدًا، لا يهمني الأمر.

بعد عشر محاولاتٍ للمغادرة لم أبرح الحياة، ما الذي تملكه الحياة لأغادرها بتلك الحفاوة؟ إنها فقط لا تستحق.

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!