
✍️مصعب مفضل
يحكي إليّ صديقي جرير قائلاً:منذ نعومةِ أظافري كنتُ مولعاً بالعمرانِ، كم كانت تجذبني الأبنيةُ على جميعِ أشكالها وأحجامها، لم يكن ذلكَ فقط، بل كنتُ مولعاً بكل شيءٍ إبداعيّ، كل شيءٍ يعملُ على قوانينَ فيزيائية كالماكينات.
كلما كبرت زادَ شغفي ، وتعلقتُ بتفاصيلِ تلكَ القِطَع الصغيرة التي تستطيعُ تَشغيلَ ماكينات عِملاقة. ولذلك كُنت أُحبُّ العُلُومَ ودُروسهَا، كُنتُ أَستَمِعُ إليها بكلِّ حواسّي ومشاعري.لكن معَ ذلكَ الارتباطِ الغَرامِيِّ لِقلبي، إلا أنَّ نَفسي كانت لديها ما تَراه قريباً إليها، إذ كَانت لها رغبةٌ مغايرة.
كانت نَفسي تنظر إليّ على أنني مكانُ بحثِها ومَرتع عملها، ومجالها وهَواها؛ كانت نفسي ترى أنها تَتعلق بالطب وما له وما به وما عليه؛ ما كان بي إلا أن صِرت فِي دوامة خَشيت أن تدوم، فلا أفي بحبي ولا أسير إلى رغبتي، أو أُفارق إحداهنَّ في سبيل الوصول إلى أُختها فيكونُ إفراطاً تارةً و تفريطاً تارةً أُخرى.لم يكن به إلا أَنَّ شجاراً نشبَ منه حريقٌ ونيران أُوقِدَت على قلبي وعقلي على حدٍ سواء؛ صرت بين أنْ أُحقق رغبتي وأن أَفي بمحبتي وغرامي، لكن وجدت أنهما أمرانِ أحلاهُما مُرُ، فإن سِرت إلى هدفي ورَغبتي فسيجرني الحنين وتسرقني العاطفة للوفاء بغرامي كما لا يمكن للمرء السير من دون قلبه وإن تركت قلبي يقودني فسأترك عقلي ونفسي ورائي، فتُظلِم الدنيا في وجهي فلا أصلُ إلى ما يهواهُ قلبي فأصبح هائماً على وجهي شبيهاً بمجنون ليلى .
فابتكرتُ سبيلاً أسير فيه فأسدد دَيّنَ قلبي و أسير بِه إلى حُلُمي، بفائدةٍ مضاعفةٍ وبقوةٍ أَكبر، ذلك بتَكْريسي لجهدي العقليِّ والقلبيِّ لخدمةِ نظرتي إلى ما وراء الذي أمامي من هدف، ذاك بأن أَزيد من إدراكي وأَتوسّع في العلم في سُبل الحياة.
بذلك أكون قد جمعت بين شخصٍ يهوى أمراً ويهيم به، فهو فيه مبدع خلّاق، وبين آخر مصمم على رغبته بأمرٍ فيكون فيه متفانياً، مخلصاً، مثابراً.وللقصةِ بقية…