حوارات

الروائي”أحمد عبد العاطي” مَثلّت ليَ الكتابة ذاتًا هي أنا في نفس الوقت أحاورها وقتما أريد

بقلم / مي قاسم

مِن هُنا، نبع بداخل الكاتب الشاب “أحمد عبد العاطي” لهيب الشوق للكتابة واحتراف الأدب، وحسبما أقرّ ليَّ في محاورته فإن دخوله لعالم الكتابة لم يكن قرارًا وإنما كان قدرًا سيقَ له، يا تُرى.. هل كان يعلم حينها أنه يُساق إلى النعيم؟

أحمد عبد العاطي ، ماذا يمكنك أن تخبرنا أن نفسك؟

أحمد عبد العاطي، مواليد أبريل ١٩٩٢ بدأت الكتابة من صغري، لكن بدأت الكتابة كاحتراف منذ ٢٠١٥، خريج كلية طب قصر العيني عام ٢٠١٨. لي ثلاثة أعمال منشورة: انشطار الطير “مجموعة قصصية” وكاجو “مجموعة قصصية” وأحوال العالم الزائل “رواية”.
حصلت على جائزة أخبار الأدب عن مجموعتي انشطار الطير عام ٢٠١٦ وجائزة مركز طلعت حرب الثقافي ٢٠١٧ في مجال القصة القصيرة، وجائزة إبداع الشارقة لطلاب الجامعات أعوام ٢٠١٦ و٢٠١٨ و ٢٠١٩، واختارني المعهد الأوروبي لدول حوض المتوسط IEMED ضمن أفضل عشرة كتَّاب شباب في دول حوض المتوسط تحت سن ٣٠.

كيف أستطعت أن تجمع بين الطب والأدب وهل ساعدتك دراستك في الطب على الإبتكار والإبداع في الأعمال الأدبية التي كتبتها؟

الجمع بين الفعل الأكاديمي عامة وبين الهواية أو الشغف، درب صعب. يصعب التركيز بين اهتمامين كبيرين، لذلك فاجأتني كبوة في دراستي خلال السنة الخامسة من الدراسة، وانتكست على إثرها كان رسوبًا لم أواجهه من قبل وفي هذه السنة الفارغة أخذت الكتابة بجدية أكبر، ولم أكن أعلم أن هذه السنة ستكون أهم سنة في حياتي على مستوى الكتابة. كنت أقرأ وأكتب طوال اليوم، ولازمتني الكتابة حتى في منامي، ولاحظت أن تكنيكي وأدواتي الكتابية تتطور بشكل مهول، وحققت خلال هذا العام تقدمًا كبيرًا في الكتابة نتجت عنه مجموعتي الثانية كاجو.

أما عن الطب، فقد فتح آفاقي وعودني الالتزام تجاه ما أدرسه من أمراض، وأن أتعامل مع النفس البشرية بحذر وعمق. أظن أن الأديب في دخيلته، إن لم يشرح بشكل فيزيائي، فإنه يجب أن يتعود التشريح بشكل نفساني. لذلك وجدت في الطب تلك النظرية الشمولية التي تسترعي انتباهي داخليًا وخارجيًا وأمدني بطرق وحيل أتفهم بها ذلك الكائن المسمى إنسان.

لماذا قررت أن تحترف الكتابة وحدها دون كل الهوايات الأخرى، وما نوع المشاعر التي تُثيرها فيكَ الكتابة؟ وبأي الكتّاب والأدباء السابقين تأثرت في أسلوب كتابتك؟

لم أقرر أن أحترف الكتابة، الأمر لم يأت بقرار بين عشية وضحاها. ما حدث أنني وجدت نفسي أكتب، وأكتب بلا إحساس بالوقت، وشعرت بما لم يوفره لي الرسم، على سبيل المثال: مخاطبة الآخر بعمق، وأظن أن ما يفرق بين فنان وفنان في مجال آخر هو عمق إحساسه بما يقدمه، وعمق إحساسي بالكتابة فاق أي هواية أخرى. الكتابة لا تثير فيّ مشاعر بقدر ما تناقشها، أنا حذر دائمًا في التعبير عن مشاعري أمام الناس، لذلك مثلت لي الكتابة ذاتًا، هي أنا في نفس الوقت، أحاورها وقتما وأينما أريد، وسمحت لي أن أرى تلك المحاورة بشكل مادي على هيئة حروف سوداء، على شاشة بيضاء.

أثَّر فيّ في بداية مشواري يوسف إدريس، تأثرت به إلى درجة ضبطتُ نفسي متلبسًا أقلد أسلوبه، ثم ما لبثت أن وعيت الجريمة التي أرتكبها بحق نفسي بتقليد كاتب آخر. ثم اكتشف ميلان كونديرا، واكتشاف ميلان كونديرا يصعب وصفه بالكلمات، كيف أصف الأمر؟ ورطة كبيرة؟ بل كبيرة جدًا. ميلان كونديرا وضع لي مخدرًا لم أحب الاستفاقة منه إلى الآن. ثم تبعه بارغاس يوسا وماركيز. عالمان يضمان ذات السحر على اختلافهما. وتأثرت أيضًا بمحفوظ وموراكامي. ثم اكتشفت بعدها خوان خوسيه مياس، وكانت قصصه منقذًا لي من ضياعي وسط ما أريده من الكتابة.

متى قررت أن تُنشيء مدونتك الإلكترونية، وما سر اسمها؟ وأيضا كيف اخترت أسماء كتبك الثلاثة؟ وهل تعتمد في الكتابة على ما يُسمى بالإلهام أم تعتبرها محض عمل جاد؟

قررت أن أنشئ مدونتي منذ ديسمبر ٢٠١٩، بعدما أحببت توثيق ما أكتبه بجدية إلكترونيًا في مكان واحد بعيدًا عن منصات التواصل الاجتماعي. واسمها جاء بإلهام من صديق لي.

أما عن الإلهام في حد ذاته، فأنا أؤمن بوجوده، لكنه لا يمكن أن يزورنا في لحظات كسل فكرية وبدنية، علينا العمل بجدية فائقة وسنجد الإلهام وقد طرق الباب. لذلك الإلهام يأتي بالعادة، بعادة الجلوس والكتابة يوميًا، بلا استهتار.

هل الكتابة هي مهنتك الكلية أم تعمل بجانبها في مجال الطب أو أي مجال أخر؟ وكيف كانت تأتيك أفكار القصص التي سردتها؟

الكتابة تتركنا بمقدار ما نتركها وعلى الكاتب شحذ أدواته باستمرار حاليًا فالكتابة هي مهنتي الوحيدة، حيث بدأت أعتمد عليها بعد الزواج بقرار مبهم وغير محسوب، على أن تحقق لي دخلًا ثابتًا إلى حين، فأنا أعمل ككاتب حر. وأتمنى أن يضمن لي ذلك معيشة جيدة مع الوقت.
وكانت تأتيني أفكار قصصي جميعها أثناء القراءة، كنت أريد أن أسد فجوة قصة كتبها كاتب آخر، فأجد لها مخرجًا في ذهني، وهنا تبدأ القصة في الإعلان عن نفسها. ورويدًا رويدًا أجد نفسي أطعِّمها بالتفاصيل، وأبدأ الكتابة وتلك التفاصيل لا تزال غير مكتملة.

برأيك ،ما الذي يميزك عن غيرك من كتّاب العصر؟ ومن هم الأناس الذين دعموك بمسيرتك الكتابية منذ البداية وحتى الآن؟ بعبارة أخرى؛ من هم الأشخاص العاديون من غير الكتّاب والأدباء الذي أثروا بك في هذه المسيرة؟

لا أرى الأدب أو الفنون عامة مجالًا تنافسيًا. إذ يصعب على الكاتب أن يقدم شيئًا وهو يضع نفسه في مضمار سباق وهمي. نحن نكتب الناس، وكتابة النفس البشرية عمل لا تضاهيه متعة. لذلك فأنا لا أقيم نقسي مقارنة بكتاب غيري، فطبيعتي لا تشبه طبيعة أي أحد آخر.

دعمتني زوجتي منذ بداية المشوار، في كل قرار تقريبًا قبل الزواج وبعده. أنا من غيرها رأس بلا عينين. أعتبرها طريقي الوحيد في الحياة وهي تقف بجانبي مهما كانت الظروف. ونحن على وفاق دائم لذلك أجد المتسع الذهني من التفكير وأصبح حرًا وقتما أكون معها. يليها أخوتي هند وهي فتاة في رقة العصافير، ومحمد الصريح الطيب الذي علمني أكثر مما علمته، ومحمود وهو شخص أستمد منه سلامي النفسي دائمًا. يليهم أصدقاء المقهى “سان سوسي” فنحن كاليد الواحدة.

ما النصيحة التي تود اهدائها للمبتدئين والمتوسطين في هذا المجال؟

أنا لا أعلم أين أقف، لذلك لن أقوم بدور الناصح. لكن إن أردت نقل خبرة عاينتها طوال فترة كتابتي، فهي أنني أكتب باستمرار، وأقرأ باستمرار، وأضع أسلوبي الكتابي في مختبر للتعديل والشحذ والتهذيب. فأنا أتشكك فيما أكتب، وأفقد الثقة في أكثر الأوقات وأسأل عن جدوى ما أكتب، لكنني لا أتوقف، لأنني أعتبرها رسالة حب من نفسي لذاتي.

كان هذا هو لقائي الصحفي الأول، وإني لأشكر حظي الفريد الذي وهبني أن أبدأ من هُنا، حيث استمتعت و عرفتُ الكثير.

إلى اللقاء في رحلة مؤنسة أخرى مع كاتب أخر.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!