نقد سينمائي

“صاحب المقام”.. الخط الفاصل بين التبرك بأولياء الله الصالحين و الجهل بالدين

أثار فيلم “صاحب المقام” منذ اليوم الأول لعرضه على منصة شاهد جدلاً واسعاً بين رواد مواقع التواصل الإجتماعي، فالكثير من الناس يروون أن مؤلف العمل إبراهيم عيسى لم يوفق في اختياره لفكرة الفيلم لأنها تدعوا لإتخاذ وسيط بين العبد و ربه و هو محرم شرعاً، بينما القلة القليلة أبدوا إعجابهم بالفيلم و بفكرته التي أثرت فيهم بشكل كبير.

يتناول الفيلم الحديث عن مدى أهمية مقامات و أضرحة الأولياء الصالحين للكثير من الناس البسطاء الذين يلجأون لهذه الأضرحة اعتقاداً منهم بأن الأولياء سيشفعون لهم عند الله ليستجيب دعواتهم، و لا نستطيع أن ننكر بأن هذه الإعتقادات موجودة بالفعل في مجتمعنا و لكن هذا لا يمنع أنها غير صحيحة و لا تمت للدين الإسلامي بأي صلة، و لكنها معتقدات اعتنقها البعض لجهلهم بدينهم و لانتشار الأمية.

و هذا مالم يهتم صناع الفيلم بتوضيحه بل على العكس تماماً، فقد اهتم مؤلف الفيلم إبراهيم عيسى بإظهار أهمية الأولياء و قدرتهم على التوسط بيننا و بين الله تعالى ليستجيب دعواتنا و يصلح لنا شؤوننا.

و قد بدأ الفيلم بتعريفنا على أبطاله و هم رجل الأعمال المهندس يحيى (آسر ياسين) الذي يدير ثروة كبيرة مع شركاءه الإثنين و هما أخوين توأم (بيومي فؤاد)، يحيى شخصاً صعب الطباع و لا يعطي الأهمية و الأولوية في حياته إلا لعمله بينما زوجته (أمينة خليل) و ولده الصغير و حتى المشاعر الإنسانية الجميلة ليست من ضمن اهتماماته و هو ما يجعل زوجته و ابنه غير منسجمان معه، فبالنسبة لهما هو يعيش في عالمه الخاص به على الرغم من وجودهم جميعاً معاً في نفس البيت.

تبدأ الأزمة عندما يقرر يحيى بناء وحدة سكنية على إحدى الأراضي التي يوجد بها ضريح ولي اسمه هلال، و الناس يذهبون إليه يومياً لأخذ البركة منه و يعرضون جميع مطالبهم عليه حتى ينفذها، و لأن يحيى لا يرى أية أهمية لهذا الضريح قرر أن يهدمه ليبدأ مشروعه الجديد.

و هنا جاء دور الأخوين التوأم (بيومي فؤاد) فأحدهما رفض و بشدة هدم الضريح لأهميته و ثقةً منه بأن الولي هلال لن يرضى بهذا الفعل و سينتقم منهم، بينما الآخر يرى بأن الدعاء للأولياء حرام و ليس له علاقة بالدين، و الأعجب من ذلك أن من يرى الدعاء للأولياء حرام هو نفسه الذي يوافق يحيى دائماً على أي تصرف يقوم به حتى و إن كان خاطئاً.

و في النهاية تم هدم الضريح وسط صراخ الناس و اعتراضهم و محاولتهم الفاشلة في منع حدوث ذلك، و بعدها اشتعلت الأزمة فواجه يحيى مشاكل عديدة في عمله كالبورصة و فيلا الساحل التي حدث بها ماس كهربائي، و أخيراً تعرضت زوجته بشكل مفاجئ لنزيف في المخ و دخلت في غيبوبة.

و هنا تظهر ليحيى الست روح (يسرا) التي ترشده للطريق الذي يجب أن يسير فيه حتى يعيد لزوجته الحياة مرة أخرى، و تنصحه بأن يذهب للأولياء حتى يرضوا عنه بعدما فعله في ضريح هلال، و لكن لم يتم توضيح طبيعة الدور الذي تلعبه يسرا، فكما ذُكِر بالفيلم هي سيدة تجلس بالمستشفى و لا يعلم أي أحد من العاملين هناك من تكون لكنهم يعتقدون أنها موجودة منذ بناء المستشفى.

و بالطبع هذا غريب بعض الشئ فكيف لأحد أن يظل موجوداً بمستشفى خاصة دون أن يعرفوا من يكون، و إن كانت مجرد سيدة بسيطة فسيكون مظهرها و شكلها بسيط فلن تضع مكياجاً كاملاً و ترتدي ملابس بحالة جيدة مثلما كان مظهر يسرا طوال الفيلم، و إن كنت مخطئة فمن أين استطاعت أن تأتي بهذه الملابس و كيف صففت شعرها و وضعت المكياج و هي تعيش بمستشفى لا تملكها، و أيضاً إن كانت بالفعل روح ليس اسماً بل حقيقتها فبالتالي يجب أن تظهر بشكل مختلف مع العلم أن الجميع كان يستطيع رؤيتها و في بعض الأحيان كانت تظهر ل يحيى و تختفي بشكل مفاجئ و هو مالم يتم توضيحه.

و في حقيقة الأمر لم يوضح صناع العمل ما علاقة الولي هلال ببقية الأولياء و كيف هدم يحيى لضريح ولي يحزن الأولياء الآخرين و هم جميعاً أموات أم مؤلف العمل لم يجد طريقة أخرى لإكمال الفيلم فقرر التوجه لهذا الطريق الذي لم يفهم الكثير ما علاقته بالولي هلال الذي تم هدم ضريحه، و من الواضح أنه لم يتم التطرق لهذا الأمر لأن صناع العمل بما فيهم المؤلف ليس لديهم علم بالسبب الذي أدى لذلك.

و قد ركز بقية الفيلم على أن الأولياء لديهم كرامات حتى و هم أموات يستطيعون إيذاء من يغضبهم، و لديهم القدرة على شفاء المرضى و تقديم الرزق للمحتاج و تلبية أي طلب يطلبه الناس.

و قد استوقفني هذا الأمر كثيراً فالأولياء الصالحين كانوا قريبين من الله سبحانه و تعالى لكنهم كانوا بشراً من بني آدم، و الإنسان لا يستطيع فعل أي شئ إلا بقدرة الله تعالى، فكيف لشخص ميت أن يكون وسيط بيننا و بين الله تعالى و هو السميع العليم، العالم بأحوالنا و حاجاتنا و نوايانا و الشاهد على ما في قلوبنا، فأبواب السماء دائماً مفتوحة فنستطيع أن ندعو الله وقتما أردنا بدون أي وسيط أو حاجز.

و لكن من الواضح أن للكاتب و صناع العمل رأي آخر، فبعدما قرر يحيى الذهاب لجميع الأولياء لينال رضاهم عنه أصبح كما تم وصفه بالفيلم “رسول الإمام الشافعي” فأخذ الرسائل التي يقوم الناس بوضعها عند ضريح الإمام الشافعي حتى يحقق لهم ما كتبوه من مطالب، و بدأ يحيى في محاولة تنفيذ مطالب هؤلاء الناس التي كتبوها في رسائلهم.

و عندما يذهب يحيى لمن كتب رسالة للشافعي يقول له أنه رسول الإمام الشافعي، فيصبح هذا الشخص في حالة من الصدمة و الذهول و يشعر بالسعادة كون الإمام الشافعي أرسل له من يساعده، و بالطبع هذا أشبه بالخرافات فالإمام الشافعي ميت و الميت لا يستطيع إغاثة أحد، حتى و إن كان من الصالحين أو الأنبياء (صلوات الله عليهم و سلامه) لن يستطيع أبداً إرسال أحد ليلبي نداء من يتوسطه عند الله لتحقيق ما يتمناه.

و قد برز هذا الإعتقاد بشكل أوضح في المشهد الذي ظهر به محمود عبد المغني عندما ذهب له يحيى فقال عبد المغني باكياً “أنا يارب تسمعني أنا دة أنا مدمن!!” و بالطبع هذه الجملة خاطئة و لا يصح أن تُقال، فالله تعالى يستمع لنا جميعاً فيسمع المؤمن و العاصي و يستجيب لمن يشاء سبحانه و تعالى، فهو يرانا و يسمعنا طوال الوقت و لا يوجد حاجز بيننا و بينه.

و جملة أخرى خاطئة تماماً قالها عبد المغني أيضاً “اللي يكتب جوابات للإمام الشافعي لازم يكون فيه بينه و بين ربنا عمار”، عندما تكتب لشخص ميت مهما كان صالحاً فهو لا يملك ضراً و لا نفعاً لك و لا لأحد غيرك فكيف تجعله يتوسط بينك و بين الله بل و يجب أن يكون بينك و بين الله عمار حتى تُراسل الشافعي، لا أن تُصلِح علاقتك بربك حتى يرضى سبحانه و تعالى عنك و يحبك، فالإهتمام هنا ينصب على الشافعي و رضاه فهو الذي سيشفع لهم عند الله تعالى.

إضافةً إلى ذلك فالفيلم مليئ بالتناقضات، فعلى سبيل المثال ذهاب بطل الفيلم للكنيسة لإسترضاء الأولياء على الرغم من عدم وجود أولياء بالكنائس، و أيضاً تشبيه الإبتهالات الدينية بالأغاني بالرغم من أننا نسمعها طوال الفيلم و ذلك حسب كلام سكرتيرة يحيى عندما أحضر أحداً لشركته ليستمع للإبتهالات التي يقولها، فعلقت السكرتيرة قائلة “جبت الراجل دة يغني جنبك طول الليل”.

من الواضح أن هذا الفيلم يدعو للتقرب إلى الله تعالى بواسطة إنسان، فهو لم يكن دعوة للصلاح كما يبدو من ظاهره لكنه محاولة لترسيخ المعتقدات المغلوطة لدى بعض الناس بأننا نحتاج لمن يتوسط بيننا نحن العباد و بين الله سبحانه و تعالى، فبطل العمل لم يظهر و لو لمرة واحدة في المرات العديدة التي دخل بها المسجد ليصلي لكنه كان يدخل المسجد ليقف أمام ضريح الولي الصالح ليدعو للولي و يقرأ الفاتحة له و ليس لله.

إضافةً إلى أن هذا الفيلم يدعو للشعور بالملل و ذلك بسبب إيقاعه البطئ و عدم وجود أحداث تثير اهتمام المشاهد، فالفيلم لا يستند على فكرة قوية بل فكرة هشة و ضعيفة لم تكتمل و تنضج بما يكفي لتصبح أساساً قوياً يستند عليه سيناريو الفيلم، بالإضافة لسذاجة الحوار و سطحيته الذي ساهم بدوره في ضعف الأداء التمثيلي لجميع الممثلين بالعمل دون استثناء.

و بالطبع هذه هي عادة إبراهيم عيسى فآراءه عن الدين الإسلامي الحنيف دائماً تثير الجدل، و قد اتُهِم مسبقاً بإزدراء الدين الإسلامي و لكنه لا يُعاقب على ما يقول في حق ديننا الحنيف، فأفكاره مدمرة للعقول البسيطة التي تتأثر بسهولة بأي شئ يُقال لها.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *