خواطر

زيارة

رضوى خليفة

ركبت قطار الدرجة الثانية وقد جمعت ثمنه بشق الأنفس، لاستطيع زيارة صديق لي في الأقصر ألح علي في زيارته ليريني معالم بلد ثلث آثار العالم، وكان كل ما في جيبي يكفي لإيصالي لهناك ولكن صديقي يعرف الحال. ألح علي في القدوم وشدد أن من ضرورة الضيافة أن يدفع لي كل شيء وأنا عائد …
لم يكن بيني وبينه خجل فقد تقاسمنا أيام الجامعة كل شيء فلم أشعر بشيء ولا إساءة.
وبمجرد أن جلست غفوت عيني وإذ بي افتح عيني على صوت الكمسري وهو يقول غاضبًا (يا ستي لازم تدفعي تمن التذكرة كامل وإلا هنزلك المحطة الجاية إنتي والعيل المعاكي!)
فأدرت عيني فإذا بها امرأة مسنة فعل الزمن بملامحها فعلته بكل المسنين، وظهرها منحني وصوتها به ألم كثرة التجارب وطول العيش في دنيا الكبد!
بادرته قائلة: لم أكن أدري أن هذا الطفل يدفع له( وأقسم بالله ما معايا حاجة تانية اكتر من الادتهولك وباقي الفلوس كلها راحت على الدكتور البنروحله القاهرة نعالج الواد من ضمور العضلات)
وكان صوتها به دموع مكتومة …صاح الكمسري بأنه سيذهب قليلًا وإن لم تخرج ما تبقى من ثمن التذكرة فستكون على أول محطة قادمة وتركها وسط نظرات الجميع والجميع تملأه نظرات الترقب …
أنا أعلم جيدًا أو ربما أنا على خطأ أنه لا علاج لضمور العضلات…أهي في بداية البحث ولا تعلم مثلي أم أني على خطأ …أم أن هناك طفرة طبية حدثت بهذا الشأن أم هي محاولات الأم اليائسة أملًا في معجزة لصغيرها. مددت يدي في جيبي وتفحصت ما أملك فوجدت أني أمام خيارين أن أدفع لها ولا أستطيع الوصول ناهيك عن العودة
وأطلب العون من صديقي حينما تحط قدمي في الأقصر ولا احفظ ما تبقى من ماء الوجه !
أو أغض الطرف وأنام
أو يرحم هذا الكمسري ضعف هذه المرأة المسنة
او يرحم ضعفها من يملك من المال ما يوصله بيته سالمًا.
سمعت صوت المرأة وهي تبكي بهدوء وتحتضن صغيرها وتقول سيدبرها فاطر السماوات والأرض بكلماتها البسيطة .
وحينها عزمت على أن أدفع لها إن لم يرحمها الكمسري ولا بأس بماء وجهي فهو لم يكن يومًا ماء زمزم!….
الكمسري يقترب ويطيل النظر إلى المرأة وأنا في انتظار كلمته الأخيرة……

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!