رياضة

مباراة القمة وتكثيف الطاقة

كتب: شريف جلال القصاص

انتهت معركة القمة بين الأهلي والزمالك، وانتهت معارك الاستنزاف بين جمهور المعسكرين الأحمر والأبيض، ووضعت شعوب الفريق المنتصر أكاليل الغار على جبين جنودهم البواسل، وتعرض الفريق المهزوم للنيران الصديقة من جمهوره.

عانيت ككل جماهير الفريقين، احترقت أعصابي خلال دقائق المباراة، ركلت قدمي الهواء، مددت رأسي لا إراديًا مع كل هجمة، وكأنني ألعب وأقاتل معهم، نعم فكل مباراة تبدو كمعركة، تشعر في نهايتها بنشوة وزهو الملوك، أو تحط منك وتجعلك تتواري خجلاً، قد تكون مباريات كرة القدم معركة بين فريقين مثلها كالمعارك العسكرية بين جيشين، لكن ثمة اختلاف بين المعركتين، هو أن فريقي الكرة يتساويان في العدد، ويخضعان للقواعد ذاتها، عكس المعارك العسكرية التي ليس لها قوانين، وهذا تمامًا هو سبب متعة كرة القدم، إن الفريق المنتصر لن ينتصر إلا اذا كان الأفضل في المباراة، لن ينفعه شهرة لاعبيه أو سجل بطوالاته أو تاريخ لقائه مع الفريق المنافس، ومن ثم يستطيع الفريق الأضعف أن يفوز، أو علي الأقل يسبب حرجًا بالغًا لأقوي الفرق، تمامًا كما فعل “سماد أبي قير” مع الأهلي، وكما فعل المنتخب المصري مع هولندا في كأس العالم1990م، وكما فازت مصر على إيطاليا في كأس القارات 2009م.

بالطبع لن تحقق الفرق أو الجيوش الصغيرة انتصارًا إلا في حالات نادرة لكن ليس من قبيل المصادفة، أو من قبيل ماوراء الطبيعة كما عبر عن ذلك (أحمد خالد توفيق) بل لسبب قوي ومنطقي وهو ما يمكن أن نطلق عليه سر تكثيف الطاقة، وهو تضاعف قوتك في وقت تحدّ أو مواجهة خطر، فتبدو قوتك وكأنها تضخمت أشبه مايكون بما يحدث ل (إدوارد نورتون ) بطل فيلم الرجل الأخضر حين تتم مهاجمته أو أنا وأنت حين نتحول إلي الرجل الأسرع للهروب من كلب يلاحقنا، أو كما فعلت سيدة من “زيمبابوي” بالقفز في احد الانهار هناك لتصارع تمساح بمفردها وتنقذ ابنها من بين فكيه.

قد يكون الأدرينالين واندفاعه في المخ وتحفيز خلاياك لتبدو أضعاف طاقتها في الوضع الطبيعي، وهي أشبه بمن يضغط على فوهة خرطوم مياه؛ لتندفع المياه بقوة كبيرة ثم تعود المياه إلى اندفاعها الطبيعي مرة أخري، ومن ثم تعود تلك السيدة من زيمبابوي كعادة النساء لتهرب من صرصور أو فأرٍ صغير.
استمتعت بمباراة القمة، لكن تعلمت من مباراة الأهلي و”أبي قير”حين استطاع فريق “أبي قير” بدافع الرغبة في إثبات ذاته أن يضغط طاقته إلى مستويات عالية وارتفع الأدرناليين في رؤوس لاعبيه، ثم لما طرد منهم لاعب ضغطوا أكثر وبقوة تلك الطاقة الداخلية، ليس خيالاً كما فعل “هنيدي” في فيلم “فول الصين العظيم” وهو يصارع لاعب “السوموا” بل واقعًا؛ ليتمكنوا من سحق كل الفوارق بينهم وبين الأهلي، فهاجموا بكل قوتهم، بل بأضعاف ذلك لتتسلم شباك نادي القرن ودفاعة الأقوي في الدوري، وربما في أفريقيا هدف من أحد أندية دوري القسم الثاني، الأمر عكسي بالنسبة للأهلي الذي فقد الدافع للظهور بقوته العادية، فضلًا عن تكثيف طاقته، وربما كان ادخارًا لها لمباراة القمة ـ وقد حقق يوم الجمعة ما سعي له ـ وهو ما صب في كفة الأسمدة، ولو نجح الأسمدة في إدراك التعادل، ربما استطاع تحقيق المفاجأة.

تعلمت من مباراة الأهلي وأبي قير، أكثر من مباراة القمة أن كلاّ منا يستطاع تكثيف طاقته، فجميعنا مرت عليه لحظات امتحان لابديل فيه عن النجاح، وتحصيل ما عجز عن تحصيله خلال عام كامل، وضغطه في بضع ساعات بل ربما دقائق قبيل الامتحان.

تعلمت أنْ أستطيع ضغط طاقتي، بل بالأحرى اكتشاف المختزن منها في خبايا ذاتي كي أحقق الاتصار في معارك الحياة، وأن أحطم بوابة المستحيل كي أفتح آفاقاً لحياة أمتلك فيها (وبعدها) قوة الرجل الأخضر دومًا، وجسارة السيدة التي أنقذت طفلها، في كل لحظة أحقق المستحيل، بل أنتصر عليه، وأقضي عليه بلا رحمة داخل روحي، بدون تدفق الأدرنالين، وأن أصبح النادي الكبير والجيش المنتصر في كل المعارك.

سأظل أستمتع بمباريات القمة، وسأظل أنظر لها علي أنها معركة اللاعبين وليست معركتي، وستظل معركتي الحقيقية، هي كيف أتغلب علي نفسي؟ وأكثف طاقتي حتى تكون طاقتي الداخلية حاضرة دومًا في كل خطر، ومع كل شدة، وعند كل تحدّ.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!