قصص

أريد ذراعي

أحمد الشاعر

لنتحدث قليلًا عن هؤلاء من يعرفون كل ما بين أيديهم ثم لا يرونه أو يتظاهرون أنهم لا يرونه، يغضون الطرف عن المحاولات المضنية من أجل دمجهم مرة أخرى وسط الطبيعين من البشر، يعشقون دائما سيمفونية الألم ويرددون دائمًا، أنا أشكو إذن أنا موجود، نعم هم موجودون لكن يجب أن نفعل شيئا من أجلهم، حتى لو كان بالغ التعقيد، إذا كان سيسهل رجوعهم وييسر حياتهم فأهلًا به، فأنا أهل دائمًا للتحدي.

كانت هذه هي الديباجة الأخيرة في ذيل كتابي عن براءة اختراعي الأخير ” الساعد الميكانيكي” والذي سيغير من مفاهيم البشر عن الأجهزة التعويضية، أنظر كل يوم لهذا النموذج المختبر بنجاح يصل إلى 90% وأغير مفاهيمي تمامًا عن اليأس والإحباط، وأزرع مكانهما الأمل، شأني في ذلك شأن التحدي الكبير الذي واجهني وأنا أرسم لوحتي المجسدة أمامكم الآن ” الساعد الميكانيكي “.

هذا الرجل البسيط الذي يريد العمل مرة أخرى، يعرف أنه أصبح من المستحيل أن تعود إليه يده المهارية مجددا، يفضل الموت على أن يتسول حقه في الحياة، كلنا هذا الرجل لكن بدرجات مختلفة، لكن هناك فارقٌ ضئيلٌ، هو ضئيلُ في نظر أحدهم وهائلٌ في نظر الآخر، كالحصير الذي يؤثر في جسدك ويترك علامات فى جسدك العاري، ولكنك لاتشعر بألم بل تجد اللذة في هذا الألم وتحوله إلى أمل هذا هو مغزى حديثي.

كل مرة أعيد عليه هذه الكلمات لكنه لا يريد الاقتناع، يحب الحسرة و الألم والبكاء على القديم والعيش وسط الأحزان، يردد دائما ” أين ذراعي؟” ويقص علينا ذكريات اليوم المشئوم حين سقط تحت عجلات القطار المسرع وفقد ذراعيه، ترسم تلك القصة دائمًا علي وجوهنا مشاعر الشفقة والعطف وترسم علي وجهه أقسى علامات الغضب من هذا الحال الذي تحول إليه.

ما رأيك الآن أيها البطل في هذه الذراع الجديدة، لقد طورتها بحيث تأخذ من العقل مباشرة وتنفذ مطلبك، وهكذا أصبح لديك ذراعين من جديد تعينك علي الحياة
” كلا ” أضاف في أسى ” إن منظرها قبيح للغاية، بل للدقة أصبح منظري قبيحًا للغاية، أشعر وكأنني مسخ، أريد ذراعا عادية ذراعًا من لحم ودم، يمكنها الإحساس بالسخونة والبرودة وتجمد الأطراف، هل تستطيع ذلك أيها العالم العبقري؟ هل تستطيع؟ حسنًا سوف أنفقُ كل ما أملك من أجل استعادتها هل فهمت؟.

لا أعرف كيف وصل إلى مكتبي صباح اليوم ذلك الخطاب، فتحته في لهفة، لأجد ذلك الرجل يدعوني لزيارته على وجه السرعة فالأمر لايحتمل ولا يطيق العيش هكذا، مالذي حدث؟ لقد رفضت تركيب ذراعي الميكانيكية وأنتهى الأمر تٌرى ما الذي فعلته أيها الأحمق؟

حين دخلت عليه غرفته، هالني منظر جسده، شعرت بالغثيان والرغبة في القيء من هذا المنظر الشنيع وتلك البالونة القبيحة التي احتلت ذراعيه، لحظة لأكون أكثر دقة، لقد دفع كل مايملك من أجل تركيب ذراع حقيقية، أي سذاجة هذه؟، تذهب إلى الطبيب المغمور الذي لا يدرك أساسيات الطب وتطلب منه عملية جراحية بهذه الدقة، بل وتضعه تحت التهديد الجبري لكي ينفذ ماتريد، فكان طبيعي أن تكون النهاية كارثية بكل ماتحمله الكلمة من معنى، طأطأ رأسه في أسى وكأنه سمع مادار فى رأسي بل وأشار برأسه أن أجلس على المقعد المقابل له، ظل ينظر إلي طويلا ثم اغرورقت عيناه بالدموع كالأطفال الصغار، المنظر فعلا بشع للغاية وكأن الدنيا اتحدت بكل ما أوتيت من قوة لتبكيه.

دائمًا المنحة التي يعطيها لنا الرب تكون أمانة في عنقنا، فإذا استردها الرب فيجب علينا أن نتأقلم مع هذا، لكن ما فعلته أنت يندى له الجبين ووصمة عار في حق كل طبيب مغمورا كان أو مشهورا.

لقد رأيته في أحلامي، هذا الرجل الذي يشبهك يتقاطر من بين أصابعه شلالات من الدماء، ينظر إلي و يستعطفني أن أعيد إليه ذراعيه مرة اخرى هل هو ميت بالفعل، تهز رأسك أن نعم لكن العين دائمًا تفضح مافعلته تلك العيون وذلك العقل الشيطانى، ماذا تقصد، كيف؟ تريدني أن أصدق هذا الهراء عن ألآمك وفقدان ذراعيك وأشياء أخرى.

أتخيل ما فعلته كأنه جلي أمامي، هو بحاجة إلى المال لكنه عفيف النفس، لابأس بالزيادة، لم يوافق، لماذا؟! قتلته.

أصبح هناك متسعٌ من الوقت دون مضايقات، أو خسارة مالية اخرى يبرر لك الذنب ذلك الشيطان حين يقول أنه لو كان ارتضى المال لكان حيًا.

تفتح عينيك لتجد الذراعين في مكانهما مرة اخرى وتستطيع تحريكها بكل سلاسة لكن شيئا ما خطأ، ذلك الإحساس بالألم والنزيف الذي لا يتوقف والكوابيس المرعبة، هل هذا ذنبه؟ تتساءل وتتحاشى الإجابة بنعم.

يبدأ الألم في الزيادة ولون الدم يزداد قتامة وأثر الصديد والقيح يجتاح جسدك، لقد لفظ جسدك تلك الذراع قال كلمته الأخيرة، أنا في حرب معكِ حتى تذهبين.

أصبحت لا أطيق النظر إليك، مقزز داخليا وخارجيا، أريد أن أرحل لكن القلب يستوقفني، هل تعلم أيها المريض العقلي أنك لو ارتضيت، نظر إليّ غير مصدق ما أقوله، نعم لو ارتضيت قضاء الله لكان خيرًا لك.

أخر كلامك لو أنه قبل المال وأخر كلامي لو أنك ارتضيت، الرضا دائمًا يصنع آيات المعجزة والطريق الخطأ، سوف يكون وبال على صاحبه
أغلقت الكتاب، أردد كلمة واحدة العلم لم يصنع معجزات من أجلك أنت لكنه من أجل من يستحقون.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by HAVEN Magazine
error: Content is protected !!