قصص

يونس | عشرة أميال

بقلم / ناجي شاهين

اليوم دعانا صديق لنا لحضور ماراثون رياضي والجري لمسافة عشرة أميال، ولا أخفيكم سرًا لا “يونس” ولا أنا نملك اللياقة اللازمة لهكذا أشياء، ولكن حب التحدي والتغيير دفعانا دفعًا لتجربة الشعور، فأخذنا استعداداتنا لنخوض التجربة.

وها هي صافرة البداية تنطلق، وينطلق معها كل المتسابقين، وكل يغني على ليلاه، فحملت نفسي وركضت إلى أن فطنت للخدعة، هذا الماراثون لم يكن للجري، بل للاختلاء بنفسك تعذبك وتعذبها، لا مخرج من التفكير أنت ونفسك والركض.

لماذا كل ما يحيط بي ناقصًا؟، صديق مفضل ولكن تفصلني عنه مئات الأميال، بشر كثيرين حولي لا يفصلهم عني سوى بضع أمتار، ولكن عندما أغلق عيني لا أرى أحدًا منهم، حبيب أحبه ولا يبادلني الشعور، وآخر يحبني ولا أبادله الشعور، ربما هي سنة الحياة لا وجود للكمال، فأنا أملك العزيمة والإصرار ولكن لياقتي سترفض استمراري في الركض إن عاجلًا أو آجلًا، رئتاي قطعًا لا يعجبها الموضوع برمته، والسجائر الملقاة على المنضدة بمنزلي تضحك من الفكرة وأظنها تقول ضاحكة، المجنون يظن أن بوسعه الركض عشرة أميال كاملة.

توقفت عضلاتي قاطبة وتصلب جسدي، ماذا أنا لم أكمل السباق بعد؟، لا زال هناك ثلاثة أميال باقية أم أنه شيء آخر لن يكتمل؟.
انحنى جسدي باحثًا عن الأكسجين في الهواء، وهو يقسم أنه لن يتحرك قيد أنملة أخرى، حتى لمح طرف عيني “يونس” ينحني إلى جانبي، وكأنه جاء من العدم وانبثق من أفكاري المنهكة، وهمس بأذني وكأنه قرأ ما يدور بعقلي “إما العشرة أميال كاملة أو لا شيء”، ثم شد قامته وركض حتى صرت لا أراه.

هو محق، تعلقنا بالأشياء الناقصة يملأ قلوبنا زورًا بأمور غثة لن تكتمل، حتى إذا جاء الشيء الكامل – وهو موجود حتمًا – لن يجد له مكان بقلوبنا التي أصبحت كغرفة الكراكيب بمنزل جدي.

وأخيرًا شددت جسدي وعبأت صدري بالهواء وعدت للركض مرة أخرى، يجب أن نتخلص من النواقص، وإلى أن يأتي الكمال يجب أن نعد له قلوبنا لاستقباله استقبال يليق بكماله، لذا فإما العشرة أميال كاملة أو لا شيء.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!