قصص

حياتي غلاف كتاب

مـقـدمـة

عزيزي القارئ إن كنت من أصحاب القلوب الحساسة والمرهفة فلا أنصحك أن تكمل تلك السطور، وإن كان غرضك من مطالعة كتابي هو الترفيه أو الترويح عن النفس فلابد أن تعيد التفكير؛ فلا أظن أن كتاب به الكثير من الأحداث التي تستدعي منك التركيز في كل سطر منها قد تمدك بهذا الشعور وتحقق لك تلك الرغبة، فأنا لا أكتب من أجل المزاح، أو المتعة المؤقتة التي تزول بزوال شغف القراءة لديك، وإنما أرجو من الله أن ينال هذا الكتاب إعجابك وأن يظهر لك بعض الأمور التي طالما أردت توضيحها والتي قد تساعدك في حل كثير من المشكلات، وألا يجعلك تنام من فرط التفكير فيه ما لم تنتهي من قراءته دفعة واحدة… تحياتي.

  هل شعرت يومًا بهذا الشعور الذي يجتاح كل خلية عضوية في  جسدك، شعور يدفعك وبشدة لفعل شيء تعلم في قراره نفسك أنه خطأ مئة بالمئة وأن العواقب ستنهال عليك كالسهام من كل مكان وستندم علي وجود كل خلية عصبية في رأسك دفعتك للتفكير في هذا الأمر ما لم تكن قتلتها من قبل أن تفكر حتى، ومع ذلك تقوم بهذا الفعل متغاضيًا عن العواقب جمعاء، ولكن بعد الانتهاء تشعر براحة تحيط بقلبك لتحاول منع القليل من قفزاته والتي يوشك بها أن ينخلع من قفصك الصدري، وهذا ما نسميه بلغة الأغبياء – ولا تعجب من الاسم فهذه حقيقه من شتى الحقائق التي ستواجهك في هذا الكتاب، ولكن إن كنت تود تغيره فالقرار لك.. ولكني أفضله وبشدة؛ فأنا أحب تلك الحقائق المُرة التي لا تُستساغ وتوشك على التقيؤ بعدها- هذا ما نسميه “الخطأ الصواب”.

وهناك شعور آخر معاكس تمامًا ألا وهو أن تقع في قيود الاحتلال العقلي، فلا يتواجد للقلب مكان هنا إلا تحت رحمة الاحتلال، وهنا تقُلب الموازين.. فتشعر ويشعر جميع من حولك أن هذا الأمر كما يقولون “عين العقل” – لم يدركوا وهم يخترعون هذا المثل أن للعقل عيون حقًا ولكنها لا تُرى بالعين المجردة لقصر نظر البشر- وأن القيام بهذا صواب مئة بالمئة ولكن بعد الانتهاء من أداء ذلك العمل تشعر بفراغ عميق يجتاح منطقه الصدر.. حتى يصبح كفجوة فارغة عملاقة توشك على ابتلاع كل ما حولها لتعويض النقص بداخلها ولكن دون جدوى حتى بصبح كالثقب الأسود الذي يبتلع كل شيء، وهذا ما نسميه بلغه الأغبياء أيضًا “الصواب الخطأ” (وستعلم لم يسمي بهذا الاسم فيما بعد) وهذا ما عليك فعله دائمًا..

 في إحدى الشوارع الهادئة نوعًا ما يقبع ذلك المقهى الذي يحمل الكثير من الذكريات الحلو منها والمُر، وأنا لا أريد أن أكون سلبيًا.. ولكن أعتقد أن أمسية اليوم سوف تتناول الشق الثاني من العبارة، يدخل إلى المقهى وتأخذ عينه نظرة تفحصيه سريعة للمكان إلى أن وجده أخيرًا يجلس في ذلك الركن الذي كان بالأمس مفضل لديهم ولكنه اليوم قنبلة ذكريات.. ولا أُخفي عليكم أني متفاجئ.. كيف لم تنفجر حتى الآن بعد أن تم نزع صمام الأمان؟!

عماد: سيف؟؟

التفت سيف إلى مصدر الصوت ليجده كما هو صديقه الذي لم ولن يتغير أبدًا، ذلك الجسم الهذيل النحيف بعض الشيء، ذو الشعر المجعد والنظارات ذات العدسات الكبيرة وملابسه التي توحي وكأنه من العصور الوسطى، جلس إلى جانبه وظلا هكذا قرابة العشر دقائق لا يفعلان شيء سوى التحديق لبعضهم البعض، تلك الأعين وإن كانت فقد تحدق فعباراتها أبلغ من الكلام، سيدور حديث طويل بعض الشيء فلا تنفث أنفاس الضيق الآن.. فأنا لم أبدأ بعد.

في مكان آخر…             

 ممدوح: ماذا تقصدين.. أنا لا أفهم.. لا يستوعب عقلي شيء مما أراه أخبريني أن هذا كله وهم وأنكي لم تعني حقًا ما كتبته هنا؟!

نظرت إليه نظره الألم ممزوجة بالندم: ممدوح.. أنا حقًا أسفه..

كانت واقفة أمامه مطأطأه الرأس، تستطيع أن تسمع صوت نحيبها وأن ترى جريان دموعها على وجنتيها وقد احمرت عيناها من كثرة البكاء، ولكن أتعتقد أن هذا كله سيداوي الجرح العميق الذي تسببت به؟؟

أمسك ممدوح بيدها ووضعها على صدره بعد أن أغرقت عيناه الدموع وقال صارخًا: أسفه!! أتعلمين ماذا فعلتي بهذا القلب، لا لن تشعري أبدًا.. لن تستشعري الكم الهائل من الطعنات التي انهالت عليه ومِن من؟ من أقرب وأعز الناس على هذا القلب الذي اخترقته الأكاذيب وظلت تطعن فيه بلا رحمة إلى أن خر صريعًا.. لا لن تشعري بمقدار الحسرة والألم.. لا لن ينفع الأسف أبدًا..

حاولت سحب يدها من قبضته لتساعد أُختها على كتم صوت بكائها المرير ولكن دون جدوى، فالقلب الجريح لا يبالي بشيء فمقدار الدم الذي نُزف كفيل بألا يجعله يشعر بأي شيء.. أزال يدها من على صدره في اشمئزاز وهم بالمغادرة إلى أن وقف على باب الغرفة والتفت إليها للمرة الأخيرة قائلًا: شكرًا يا من جعلتني أشعر وكأن حياتي كلها مجرد غلاف كتاب تافه.. أنت طالق!!

أعلم عزيزي القارئ أنه قد يستعصي عليك فهم الأحداث دفعة واحدة ولكني أؤكد لك أنك ستفهم كل شيء لاحقًا..

في المحاضرة.. 

الدكتور: دائمًا ما يحتاج القلب إلى الصحبة الصالحة؛ لأنه ضعيف وحده لا يقدر على الاستمرار وهو منفرد فهو أجبن من ذلك بكثير..

مجهول1: ولكن يا دكتور أليس الحب هو من يصنع المعجزات، ويقولون أيضًا أنه أقوى شيء في الوجود.

الدكتور: وأنا أقول أن الحب وحده ليس كافيًا بتاتًا، ولكن إذا توافرت له بعض القيم المساعدة كما في التفاعلات الكيميائية والتي بها يستعين ويقوى هنا يمكننا أن نطلق عليه لقب قوة جبارة لا يستهان بها أبدًا.

مجهول2: ومتى يحدث ذلك يا دكتور؟

قام الدكتور من مقعده وسار أمامهم ولوح بيديه عاليًا ثم قال: يقف القلب في المنتصف ويحيط به إخوته أو العوامل المساعدة ويدعمونه ويتقوى بهم ولا أحبذ أبدًا أن يتخلى عنهم ألا وهم..

سار أمامهم وأشار بأصابعه وقال: الاحترام، الثقة، التضحية، التفاهم، وسأترك لكم إكمال الباقي فلن تكفي أصابعي لعد جميع الصفات.

أصوات همهمة ضحكات في القاعة.

كل هذه الصفات يقوم الحب بسحبهم وربطهم معًا في وثاق متين لا ينقطع أبدًا…

في المقهى.. 

عماد: مر وقت طويل، لم نلتقي منذ زمن.

سيف: مر وقت طويل ولم تتغير ما زلت كما أنت.. كيف حالك؟

عماد: حالي؟ ابتسم ابتسامة سخرية ثم قال: حالي أوشك على الانتحار؛ فلقد تعب من كثرة ما رأى.. ولكنه حالي ليس مهم اليوم دعه وشأنه أخبرني عن حالك أنت.

نظر إليه سيف نظرة جامدة بلا مشاعر وقال: حالي انتحر بالفعل..

نظر عماد إلى الأرض ثم عاود النظر إلى سيف في شفقه وقال: أخبرني ماذا حدث لتصل إلى تلك الحالة وكيف حدث ذلك؟

زفر سيف بعض أنفاس الضيق وقال: هل شعرت يومًا بهذا الشعور الذي يجتاح كل خلية عضوية في جسدك، شعور يدفعك وبشدة لفعل شيء تعلم في قراره نفسك أنه خطأ مئة بالمئة وأن العواقب ستنهال عليك كالسهام من كل مكان وستندم علي وجود كل خلية عصبية في رأسك دفعتك للتفكير في هذا الأمر ما لم تكن قتلتها من قبل أن تفكر حتى، ومع ذلك تقوم بهذا الفعل متغاضيًا عن العواقب جمعاء، ولكن بعد الانتهاء تشعر براحة تحيط بقلبك لتحاول منع القليل من قفزاته والتي يوشك بها أن ينخلع من قفصك الصدري، وهذا ما نسميه بلغة الأغبياء “الخطأ الصواب” ، وهناك شعور آخر معاكس تمامًا ألا وهو أن تقع في قيود الاحتلال العقلي، فلا يتواجد للقلب مكان هنا إلا تحت رحمة الاحتلال، وهنا تقُلب الموازين.. فتشعر ويشعر جميع من حولك أن هذا الأمر كما يقولون “عين العقل” _ لم يدركوا وهم يخترعون هذا المثل أن للعقل عيون حقًا ولكنها لا تُرى بالعين المجردة لقصر نظر البشر_ وأن القيام بهذا صواب مئة بالمئة ولكن بعد الانتهاء من أداء ذلك العمل تشعر بفراغ عميق يجتاح منطقه الصدر.. حتى يصبح كفجوة فارغة عملاقة توشك على ابتلاع كل ما حولها لتعويض النقص بداخلها ولكن دون جدوى حتى بصبح كالثقب الأسود الذي يبتلع كل شيء، وهذا ما نسميه بلغه الأغبياء أيضًا “الصواب الخطأ” وهذا ما عليك فعله دائمًا..

عماد ضاحكًا محاولًا تغير الجو: يبدو أن لديك الكثير لتقوله يا صديقي ولقد جئت إلى الشخص المناسب وكله أذان صاغية.

ضحك سيف ضحكة خفيفة وقال: سأحكي لك قصة قصيرة عسى ان تفهم وجهه نظري ومنظوري الحقيقي لهذه الحياة واتمنى ان أستطيع وصف ما بداخلي بشكل صحيح.. فأحيانًا أفكر في امر واحد بعدها إن لقلبي وجهه نظر اخرى تمامًا..

 في مكان آخر.. 

ممدوح: لم أكن اعرف ان للكتب ذلك السحر القوي، فما لا يقال بالفم يكتب باليد وهو ابلغ وأعمق، كنت دائمًا ما اقرا الكتاب دون النظر إلى الغلاف أحب ان أخمن اسم الكتاب من محتواه فإذا سألتني عن اسماء الكتب التي قراتها فالإجابة هي صفر لأنني نادرًا ما أقرأ ما يكتب على الغلاف بشكل دقيق ليساعدني على استذكار فأنسى معظم أسماء الكتب سواء قرات العنوان او وقعت عليه عيني عليه بالخطأ، ولكن ذلك الكتاب مختلف قليلًا فما كان بعد الكتاب من أحداث أطول من عدد حروف كلماته.

قابلتها في المكتبة ولم أكن أتخيل أبدًا إن كتاب هو من سيجمعني بشريكة حياتي وهو أيضًا السبب في تفريقنا فكما قلت لكم للكتب سحر قوي ولكنه ذو حدين فمرة معك ومرة عليك، كانت جميع الأحداث وكأنه فيلم مخصص لنا فقط وكأنه يقول نعم لقد خلقتما لبعض او هذا ما ظننته.

كان دائمًا ما يوحي لي القلب بالموافقة العمياء بينما يقف العقل حائرًا ولا يعرف ماذا يقول.

الدكتور: ولكن احذروا فدائمًا ما تتعارض قوي القلب مع ذكاء العقل ويدخلون في حرب لا تنتهي إلا بانحياز الفرد لاحد منهما او.. تنهد ثانية ثم قال: الانتحار، والشخص المحظوظ هو فقط من يستطيع استغلال عاطفة القلب واستراتيجية العقل لجمعهم سويًا.

مجهول3: وماذا سيحدث يا دكتور إذا اتحدت عاطفة القلب واستراتيجية العقل؟

الدكتور: تريد معرفة ماذا سيحدث.

مجهول3:؟؟

الدكتور: حقًا انا لا اعرف!!

في يوم من الايام ولا اعرف كيف استطعت ان أنعته باليوم فهو ليس باليوم الحقيقي بل كابوس وودت حقًا لو كنت أقدر على الاستيقاظ منه ولكني للأسف لم أستطع…

تنهد قليلًا ثم أكمل الكتابة..

قبل ذهابي للعمل لفت نظري ذلك الكتاب الصغير أسفل الدولاب وكأن احدًا حاول إخفائه ولم يستطع، لأول مرة يستوقفني عنوان الكتاب فلقد كان مألوفًا جدًا لدرجة أنني تصفحته بسرعة والغريب أنه لم يكن يحمل اسمًا عليه.. فتأخذ عيني نظرة سريعة على بعض السطور وتقلب يدي الصفحات في ذهول والكثير من علامات الاستفهام تحوم حولي، أغلقت الكتاب وبدأت أتصفح غلاف الكتاب إلى إن وجدته أخيرًا اسم صغير مكتوب بخط أسود رفيع في ظهر الكتاب من جهة اليسار في الأسفل..

وقعت بعض العبرات على أخر شيء كتبه في كتابه.. ” مرام أحمد السيد”!!!

عماد: أحاول أن استنتج ما وجده الشاب ممدوح ولكن دون جدوى عقلي لا يعمل.

همس سيف في نفسه بل هو عقلي أنا: أتريد أن تعرف ماذا وجد ممدوح في الكتاب؟

عماد: نعم وبشدة ولكن عندي استنتاج بسيط أمعني هذا أنه يروي ما حدث بطريقة كتابيه أو دفتر يومياته أي أن هذا حدث منذ زمن وهو الآن يتذكر لا أكثر ولكن ما علاقة كل هذا بما تشعر به ويصعب عليك وصفه؟!

سيف: سأخبرك ولكن أولًا أتتذكر اسم الكتاب الذي كان سبب لقائهم في المكتبة؟

عماد: نعم كتاب العقل والحب.

سيف: كان اسم الكتاب الذي وجده ممدوح هو ” العقل والقلب”

 ممدوح: ماذا تقصدين.. أنا لا أفهم.. لا يستوعب عقلي شيء مما أراه أخبريني أن هذا كله وهم وأنكي لم تعني حقًا ما كتبته هنا؟!

نظرت إليه نظره الألم ممزوجة بالندم: ممدوح.. أنا حقًا أسفه..

كانت واقفة أمامه مطأطأه الرأس، تستطيع أن تسمع صوت نحيبها وأن ترى جريان دموعها على وجنتيها وقد احمرت عيناها من كثرة البكاء، ولكن أتعتقد أن هذا كله سيداوي الجرح العميق الذي تسببت به؟؟

أمسك ممدوح بيدها ووضعها على صدره بعد أن أغرقت عيناه الدموع وقال صارخًا: أسفه!! أتعلمين ماذا فعلتي بهذا القلب، لا لن تشعري أبدًا.. لن تستشعري الكم الهائل من الطعنات التي انهالت عليه ومِن من؟ من أقرب وأعز الناس على هذا القلب الذي اخترقته الأكاذيب وظلت تطعن فيه بلا رحمة إلى أن خر صريعًا.. لا لن تشعري بمقدار الحسرة والألم.. لا لن ينفع الأسف أبدًا..

حاولت سحب يدها من قبضته لتساعد أُختها على كتم صوت بكائها المرير ولكن دون جدوى، فالقلب الجريح لا يبالي بشيء فمقدار الدم الذي نُزف كفيل بألا يجعله يشعر بأي شيء.. أزال يدها من على صدره في اشمئزاز وهم بالمغادرة إلى أن وقف على باب الغرفة والتفت إليها للمرة الأخيرة قائلًا: شكرًا يا من جعلتني أشعر وكأن حياتي كلها مجرد غلاف كتاب تافه.. أنت طالق!!

في المقهى..  

عماد: لا أصدق أطلقها من أجل كتاب!!

سيف: لا لم يكن كتاب، بل صدمه عمره.

كان الكتاب هو تلخيص لما كانت تشعر به أو يمكننا أن نطلق عليه دفتر يومياتها أو اسم أشد قسوة ” تجربتها الناجحة” فما كانت تقوم به طيلة فترة حبهما لم يكن بحب ولكن كان مجرد تجربة.

علت الصيحات في القاعة

الدكتور: هدوء من فضلكم لتعرفوا بقية القصة والعبرة منها.

قال الدكتور هامسًا لنفسه هذا إن استطعتم تقبل الحقيقة

الدكتور: كما كنت أقول فإن كل منهما رأى أن الظروف العائلية والأجواء المحيطة وكل شيء مناسب جدًا وكأنه مسلسل صنع خصيصًا لهما وهذا ما كان يطمح إليه قلباهما، أتعرفون ما هو سر عداوة العقل والقلب منذ القدم أن الناس دائمًا ما يؤثرون القلب على العقل وينسبون له كل مشاعرهم وأحاسيسهم مع أن هناك من يقول أن مهمة القلب الوحيدة في جسم الإنسان هي ضغط الدم فقط، وأن كل تلك المشاعر، الأحاسيس، الخوف، القلق والحب ما هي إلا صفات نستمدها من العضو الوحيد القادر على جعلنا نشعر بتلك   الأحاسيس ألا وهو ” العقل” وحده.

في المرة القادمة التي تنحازون فيها إلى القلب تذكروا أن العقل لن يترككم أبدًا.. لنكمل.

  في المقهى.. 

سيف وهو شارد النظرات: وبعد أن اكتشفت أن قلبها لم يكن يحب ولكن يخادع ظهرت على حقيقتها وسارعت إلى استغلال الموقف وتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الموضوع عن طريق.. أكمل وعيناه مليئة بالدمع يحاول جاهدًا ألا تسقط فيلاحظها عماد وقال: عن طريق كتابه كتاب، اه نسيت أن أخبرك أنها كاتبة.

في المحاضرة.. 

الدكتور: فظلت قرابة الشهرين تكتب قصة العشق المزيفة هذه على أمل نشرها ولكن بعد أن تكتب على غلافها ” قصة حقيقية”!!

بعض الضوضاء في القاعة وأُناس يقولون عبارات مثل مريضة نفسيًا ومجنونة ويعاود الدكتور إكمال محاضرته قائلًا: وفي الختام أحب أن أنصحكم نصيحة لوجه الله وأشار إلى رأسه وقال: ذلك العضو الرخو هو الوحيد القادر على أن يرفعكم إلى السماء أو أن يهبط بك إلى الجحيم فلا تستهينوا به أبدًا..

هم سيف بالمغادرة ولكن سبقه عماد وأمسك بيده قائلًا: إلى أين أنت ذاهب لم نكمل حديثنا؟

سيف محاولًا التماسك أمامه وقبل أن ينهار قال: إلى الجحيم وتركه وغادر..

لا أعرف ما هو شعورك الآن عزيزي القارئ أو ما يدور في ذهنك ولكني أثق أنك بدأت تربط خيوط الأحداث ببعضها البعض بالتوفيق.

بعد اسبوع..  

سمع سيف صوت أحد يطرق على الباب فقام بفتح الباب ليجد عماد أمامه. عماد: أتقول عني أني لا أتغير وأني من العصور الوسطى أُنظر لحالك أو لاحظت أنك قد اكتسبت بعض الكيلوجرامات مع هذا الشعر الأسود الناعم والعيون الزيتونية والتي تحولت إلى الأحمر من كثرة البكاء.

تركه سيف على الباب ودخل قائلًا: ماذا تريد مني الآن أجئت لتهزأ بي؟

عماد: أويهزأ صديق من صديقه

قام بتحريك نظارته على النحو الذي يوحي وكأنه أحد الفلاسفة وقال: جئت أخبرك يا صديقي العزيز أنك أحمق لا لأنك كذبت علي وأنت تعلم أني دكتور نفسي وأعمل معيدًا ومحاضرًا في الجامعة، بل لأنك ظننت بخيالك الواسع أن قصة ذلك الشاب ستمر علي مرور الكرام وأنني لن أظن ولو للحظة.. وسكت لثانية ثم قال: أنه أنت!!

نظر إليه سيف قائلًا أو ظننت أنني لا أعلم أنك طبيب نفسي وأنك ستنخدع بالقصة.. تمهل قليلًا وجلس على كرسيه ثم قال: أنا فقط أجبن من أن أقول الحقيقة مباشرة ولم أعرف ماذا أقول وكيف أقوله حتى وجدت نفسي الشاب ممدوح الذي تحطم كل شيء كان سببًا في حياته.

عماد: إلا شيئًا واحد.

اخرج عماد من حقيبته كتاب وقال: هذا.

قام سيف من مقعده وقال ضاحكًا: ومن أين لك بهذا الكتاب؟

عماد: عندما غادرت المقهى مسرعًا لم تلحظ أنك نسيت شيئًا في غاية الأهمية وجدته وحقًا لقد استمتعت بقراءته.

سحبه سيف من يده غاضبًا وقال: كيف تجرأ على قراءته من سمح لك بذلك؟

عماد: أنت.

سيف:!!

أمسك عماد بكتفي سيف وقال: نعم أنت، أنت من هاتفني لمقابلته ولم تخبرني عن السبب، أنت من وجدته شارد الذهن مشتت الأفكار حين رأيتك لأول وهلة، أنت من اختبئ وراء قصة شاب ولم يصارح صديقه بالحقيقة مع العلم أني فهمت كل شيء من أول لحظة.

سيف: وإن كنت فهمت كل شيء من أول لحظة ما سبب قراءتك لكتاب أحزاني؟

عماد: لقد جئت إليك اليوم لأُخبرك أن هذا الكتاب لن تقتصر قراءته علي بل على الجميع أن يقرأه.

سيف: لم أفهم!

عماد: ما حدث معك يا سيف ما هو إلا تجربة سيئة مررت بها ولكل مشكلة حل وانصحك وبشدة أن تكمل هذا الكتاب وأن تقوم بنشره ليقرأه الجميع، بوجود الكثير من الأطباء والمتخصصين النفسيين الذين يجوبون العالم ليلقوا بمحاضراتهم ليستفيد الناس ولا يقعوا في نفس الخطأ، ومع وجود الكثير من عيادات الأطباء النفسيين ومع ذلك يظل هناك فئة تخشى الذهاب والاستماع إليهم مهابة أن يطلق عليهم العامة اسم “مريض نفسي”  ولو تعلم يا سيف كمّ الناس الذين يحتاجون حقًا إلى مثل ذلك الكلام وتلك المحاضرات لقلت أن العالم بأسره مرضى نفسيين، يجب أن يستوعب العالم فكره أن ليس كل من ذهب إلى دكتور أو استمع إلى محاضرة نفسية هو مريض نفسي، يجب علينا أن نُعدل بعض من تلك المفاهيم التي أوشكت على التهام أصحابها.

نظر سيف إلى الكتاب ثم عاود النظر إلى عماد وقد ارتسمت على وجهه علامات السرور منذ وقت طويل وقال: أتعلم شيئًا.. أنت أروع صديق وطبيب نفسي على الإطلاق.

قام الاثنان باحتضان بعضهم البعض وبعدها هم عماد بالمغادرة إلى أن استوقفه سيف قائلًا: عماد انتظر..

التفت إليه عماد فقال سيف: في رأيك ما هو العنوان المناسب لهذا الكتاب؟

ابتسم عماد: لأنه توقع هذا السؤال وقال: ما رأيك في ” العقل يقود المسير، والقلب أسيرٌ يسير ” 

وفي الختام أرجو أن تكونوا قادرين على استيعاب الدرس بشكل واضح، أي أسئلة أُخرى؟

مجهول 4: سؤال أخير يا دكتور من فضلك، ما زلت لا أعرف أيهما أفضل القلب أم العقل ومن عليه اتخاذ القرار ومن عليه الانصياع للأوامر؟

الدكتور: الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله في هذه الحالة هي أن الإنسان الذي يستطيع أن يستغل عاطفة القلب وذكاء العقل والجمع بينهما في صورة نادرًا ما نحصل عليها، فلقد ظفر بالنجاح وهنيئًا له.

بعد شهرين..  

سيف: لا يمكنني لا لن أستطيع.

عماد: تمالك نفسك قبل أن اصفعك على وجهك ما بك ألم يكن هذا حلمك الذي لطالما حلمت به ماذا حدث الآن؟

سيف: أخشى ألا يثير الكتاب إعجابهم.

وضع عماد يده على كتف سيف وقال له: أُنظر إلى.. لطالما كنت عاشقًا للكتب وتسعى جاهدًا لرؤية مؤلفاتك في الأسواق يتسابق عليها القُراء، وأنا لم أقضي شهرين من حياتي أعمل على هذا الكتاب وفي آخر المطاف تخاف من ملاقاه الجمهور هذا لن يحدث.

وتركه وصعد إلى منصة القاعة غير مبالي بسيف الذي يصرخ ورائه.

عماد: معذرة أرجو الانتباه.. التفت إليه جميع من بالقاعة وساد الصمت.

عماد: السلام عليكم وأهلًا ومرحبًا بكم، اجتمعنا اليوم من أجل حدث في غاية الأهمية ألا وهو تنهد قليلًا ثم قال: كتاب!!

نعم كما سمعتم كتاب ولكنه ليس مجرد كتاب عادي فهو كتاب مقتبس من قصة حياة أعز أصدقائي على الإطلاق، هذا الشاب الذي كانت بداية حياته كتاب، ونهايتها كتاب، وتوشك على البدء من جديد بكتاب جديد.. معكم سيف الدين علي..

تعالت أصوات التصفيق وصعد سيف على المنصة غير مصدق وهو يرى حلمه يتحقق أمام عينيه..

بعد ساعة من التكريم..

سيف: لم أصدق أبدًا أن كتابي سيحصل على المركز الأول في المسابقة لهذا العام وأنه سيتم تكريمي بهاء الشكل حقًا قد يغلق الله باب ليفتح غيره..

عماد: هنيئًا يا صديقي لم أشك في قدراتك للحظة واحدة.

قام سيف بضمه بقوة حتى كادت نظاراته أن تقع على الأرض وقال: لولاك ما وصلت لهذا، لولا تشجيعك ووقوفك بجانبي لما وصلت لما أنا عليه الآن ولما استطعت الوقوف على قدمي أبدًا.

نظر له عماد وقال بصوت حنون: هذا ما يفعله الصديق فما بالك وأنت أعز الأصدقاء، صدقني ما حدث معك يحدث بنسبه 80% مع جميع البشر على فترات مختلفة ولكن 20% فقط من يستطيعون النهوض من جديد ومواجهه التحديات، مع كل الاحتمالات المحيطة بهم والتي تؤكد وقوع الفشل بنسبه 100% ومع ذلك يجاهد تلك النفس التي تصر على الانسحاب وهو يأبى الاستسلام هذا النوع من البشر هو الفائزون حقًا.

نظر إليه سيف نظرة امتنان وشكر وقال ضاحكًا: أخبرني ما هو جدول محاضراتك أطوق لحضور واحدة.. قد مر زمن طويل يا عبقرينو

نظر إليه عماد وهو يغادر: الدكتور عبقرينو لو سمحت.

لاحظت عزيزي القارئ وكما الجميع أن الإنسان يمكن أن تنتهي حياته بكتاب وقد تبدأ بكتاب ولكن الأهم من ذلك هي تلك الفترة التي ينشب فيها صراع بين العقل والقلب حيث أظهرت بعض الأبحاث أن القلب مهام أُخرى غير ضخ الدم وهذا ما نشعر به أحيانًا ولكن لا نعرف له إجابه ونصيحتي الأخيرة أن تحيط نفسك لأصدقاء أو حتى صديق على الأقل فهو يكفي ليساعدك على إتمام الطريق..

بعد سنة..  

كان عماد يقلب في دفاتره القديمة بالمكتبة حين لمح ذلك الكتاب الذي ملء الغبار سطحه، فهم بالإمساك به لتقع تلك الورقة التي كتب عليها بالخط العريض ” لم تكن حياتي مجرد كتاب، بل فقط الغلاف”..

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!