ابداعات

مختل قلبيًا

عبدالله الحداوي

ذات شتاء في إحدى الطرقات التي تخلو من المارة عندما تبكي السماء
وجدت رجلًا أشعث وأغبر، طويل اللحية، كثيف الشعر، ثيابه المقطعة، عصاه الخشبية تجعله يبدو وكأنه جاء عبر فتحة من بوابة الزمن من العصور ما قبل التاريخ.

راودني فضول حوله؛ لأنه يجلس في مكانه منذ سنين ويقال عنه مختل عقليًا، جلست قربه وألقيت السلام نظر لي نظرة لا مبالية وتابع تحديقه في السماء، سألته:
ما أجلسك هنا يا والدي؟ ألك حاجة أقضيها لك؟
صمت متجاهلاً سؤالي لبرهة ثم قال:

حاجتي عند فلانة، أخذت أيامي وابتسامتي وما تبقى من شغف في داخلي ثم رحلت، أتعرف أين فلانة؟
وأمسك بيدي وكأنه ينتظر بلهفة أن أجيبه
قلت لا””
فأبعدني بعصاه وتابع تحديقه نحو السماء وكأنه ينتظر نجمة تمر فتحقق أحلامه كما في الأفلام
حين سألت بعض أهل الحي قالوا أنه أحب فتاة حتى شغفتهُ حبًا وسلَب رحيلها عقله حين ما وعدته أن تأتي واكتشف أنها قد سافرت ليجلس حيث ودعها أخر مرة وينتظر وينتظر حتى شابت روحه قبل لحيته،
واختتم من كان يحدثني بقوله، “دعك منه فهو مختل عقليًا”

تذكرت قول الشاعر تميم حينما ما قال: “يا من حسدتم فتى بالهوا فرحًا دعوه فهو مقتول وما علمَ”، وقلت للرجل بعد أن أنهى كلامه
كلا… لا علاقة لعقله بالأمر عقله لازال في مكانه
الألم ها هنا في قلبه
هو مختل قلبيًا ليس أكثر.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!