قصص

لأنه إنسان نبيل

بقلم/ آية الجبالي

“لأنه إنسان نبيل” قالتها إحدى الفنانات العربيات عندما سُألت لماذا هو بالذات الذي أحبته وتزوجته دون سواه؟ فأجابت ” وكيف لا أحبه وهو يعاملني بكل هذا اللطف ” قالتها مغنية شابة في حديثها عن زوجها “كان دومًا عند سماعي لتلك الجمل يراودني شعور أن كل تلك العلاقات التي قد بُنيت على الحب والدفء، وأن تلك الصور السعيدة التي نراها لأشخاص ينظر كلًا منهما للآخر بهيام على صفحات التواصل الاجتماعي أنها ما هي إلا جانب من الحياة لا يُمثلني ولا أشعر إنني سوف انتمي إليه يومًا، وفي كل مرة كنت أحضر بها عُرس إحدى صديقاتي وأتخيلني موضعها كنت أفرح بالتأكيد كأي فتاة ولكن كان يبقى ذات السؤال عالقًا برأسي؛ هل سأكون موضعها يومًا؟! ويتبعه عشرات من التساؤلات الأخرى، هل سأقابل من يجعلني أتمني أن أُكمل القادم من عمري معه دون تردد، دون خوف، دون أن أخشي أن تفر من بين يدي السنوات ووكتشف في نهايتها أنه كان اختيار خاطئ؟!
هل سيخفق قلبي لأحدهم عند سماعي لحديثه، ولا أود حينها أن يتوقف عن الكلام؟!

هل ستقدر كلماته على إرضاء غرور عقلي قبل قلبي! وهل سيجعلني سعيدة بجواره حقًا!، هل سيحتوي حزني بداخله كما لو كان هذا شاغله الأكبر في الحياة بأسرها!، والأهم من ذلك كله هل ساستطيع أن أخبره بكل ماخبأته داخلي لسنوات طويلة من ذكريات مؤلمة وخبرات نقشت في قلبي الآسى بألوان متعددة وانتظرته دومًا لأسردها له هو، وهو فقط، هل سيتفهمني حين أحكي له عن تلك الهفوات التي سقطت بها دون أن تتحول نظرته تجاهي؟! تساؤلات كثيرة كانت تدور في ذهني كل مرة ولم أكن أجد إجابات لها فكنت أذهب بعقلي بعيدًا عن الموضوع برمته كلما أتِ على خاطري.

حتى جاء ذلك اليوم الذي قابلتهُ به، والمدهش في الأمر أنه حدث بشكل لم أكن أتوقعه، حيث كنت ذاهبة لحضور حفلًا يجمع معظم زملاء دراستنا في سنوات الجامعة، والغريب أن هذا الحفل تحديدًا ترددتُ كثيرًا قبل الذهاب إليه لأنه أتى مع يوم مملوء بالعمل ولكنني حسمتُ أمري على الذهاب قبل الحفل بساعة، كان هو من بين المدعوين لم يكن من زملائنا ولكنه كان صديق لزوج إحدى صديقاتنا، كان جالسًا على ذات الطاولة التي أجلس عليها وكان يبدو كشخص عادي طويل القامة قمحي اللون ملامحه مألوفة إلى حد كبير، هادئ الطباع، لا يتحدث إلا إذا بادره أحدهم بسؤال، وفور أن رأيته تذكرت أننا اجتمعنا في عدة مناسبات لأصدقاء مشتركين من قبل ولكن لم نتحدث مطلقًا؛ كنت أجده في أحد المناسبات ينظر إليّ بشكل ملحوظ للحد الذي جعلني أتذكره اليوم حين رأيته، ما لفت إنتباهي إليه جملة عابرة قد وجهها لأحد الطهاة المُنظمين للحفل حين قال: كيف تقومون بتزويد ملح الطعام لهذا الحد؟ فنحن بذلك لن نشعر بطعم الشيء الحقيقي؟! وكنت أنا حينها أردد بداخلي نفس التعبير الذي قاله للتو فوجدتني أتدخل فالحديث بلهفة وكأنني كنت منتظرة أن يتفوه أحدهم بتلك الجملة لأُجيبه: معك حق نظر هو إليّ وهو مندهش والبسمة تعلو ثغره وأخذ يمزح معي غير مصدق إنني بادلته الحديث، بعد أن أنهينا الطعام جلسنا جميعا؛ ليتحدث كلًا منا ويشارك الآخرين بإنجازاته الحياتية وما فعله في السنوات السابقة وعندما أتى دوري وجدت صديقتي تتحدث نيابة عني وهي مفتخرة بي: لا يستطيع أحد منكم أن يتصور كيف أصبحت ريم الآن هل يتخيل أحدكم أن تلك القصيرة ذات الملامح الطفولية هي مديرة لشركة من أكبر شركات الاعلانات! بل وتعقد اجتماعات وتصدر قرارات وتفصل وتعين موظفين في كل يوم؟! شعرت بالحرج وتلعثمت حروفي وسط كلماتهم المشجعة وأخذ هو يوجه لي بعض الأسئلة عن طبيعة عملي وهل يتطلب مني السفر للخارج أم إنني أقيم هنا؛ وكنت أشعر بإهتمام في كلماته التي خرجت منه بتدفق كأنه كان ينتظر الفرصة لإخراجها، أو التعبير عنها.

وفي وسط الحديث وجدته يخبرني أنه سيقوم بفتح مطعم جديد ويود أن أصمم له صفحة لذاك المطعم على الانترنت وتبادلنا أرقام هواتفنا وبعد يومان وجدته يتصل بي وقمنا بتحديد موعد.

شعرت في المساء السابق للموعد الذي حددناه بتوتر شديد وكنت أود أن أهاتفه لإلغاءه أو لتأجليه، ولكنني حاولت التغلب على ذلك الشعور بأن أفكر في الزي الذي عليّ إرتداؤه، قمت بعرض كل ملابسي وأخذت أجرب كلًا منهم أمام المرآة وكأنني لأول مرة أراهم لم يعجبني أيًا منهما و ذهبت لشراء ملابس جديدة وأخذت أبحث لعدة ساعات حتى قنعت بفستان بسيط أبيض اللون مزخرف من الأكتاف ببعض النقوشات البدوية الزاهية وذهبت بعد شراءه إلى مصفف الشعر ثم بعدها إلى المنزل، في اليوم التالي استيقظت قبل الموعد بثلاث ساعات وللحق فأنني لم استطع النوم ليلتها جيدًا إرتيدت ملابسي ووضعت بعض مساحيق التجميل البسيطة وأخذت أدقق النظر لذاتِ في المرأة وكنت حينها راضية عن شكلي إلى حدًا كبير، ذهبت للمكان الذي اتفقنا عليه ووجدته ينتظرني على إحدى الطاولات وكان يبدو عليه الأناقة الشديدة بدايًة من رائحة عطره، مرورًا بزيه المهندم والواضح أنه إختاره بدقة، نهاية إلى حذاءه وتصفيفة شعره، جلسنا فيما يقرب من ساعتين نتبادل الحديث حول كل مايخص المطعم وخطوات إنشاء الصفحة حتى وصلنا إلى شبه إتفاق على ما سنقوم بتنفيذه، وكنا نتحدث بعد تلك المقابلة بشكل شبه يومي تقريبا، مرة لأعلمه بأخر الأخبار على الصفحة، ومرة أخرى ليسألني هو عن الخطوة التنفيذية الجديدة، وكانت أغلب المحادثات التالية نتحدث فيها عن حياة كلًا منا وعن ما قمنا بفعله في يومنا، وبدأ هو يشاركني أثناء مُحادثتنا على برنامج الواتساب صوًر من يومه مرة وهو يسوق سيارته، ومرة وهو يشرب قهوته، ليغيظني لأن القهوة قد نفذت من عندي، مرة يحدثني في منتصف الليل لأشرح له طريقة طهو الدجاج؛ لانه جائع وظللت معه على الهاتف حتى أنهى طهوها، وكثيرة هي المرات التي جعلني أقلق تجاهه وأرتاب منه حيث إعتاد أن يختفي من فترة لأخرى وحين أحدثه لا يجيب، فأتخذ أنا القرار بقطع علاقتي به، حتى أجده بعدها عائدًا ليخبرني بأنه أختفى لمشاكل بالعمل والتي لم يرد إزعاجي بها، ورغم إصراري في كل مرة على إنهاء ما بيننا بحجة أنه ليس هناك أصدقاء حقيقين يقومون بفعل مثل تلك الأمور كان يقوم هو بإمتصاص غضبي ولا أعرف كيف، من المرات التي اختفى بها وأخذت انا أبحث وراءه علمت حينها من زوج صديقتي بمروره بضائقة مالية كبيرة من قبل الضرائب تسببت له في بيع مطعمه الجديد بعد كل ماصرفه عليه من تجهيزات وأموال فرجعت دون علمه إلى أحد أصدقائي بأحد البنوك حتى يساعده بإعطاءه قرض وإقناعه أنه دون ضمان كبير وقمت أنا من وراءه بإكمال الضمان، حتى استطاع بعدها أن يُعيد عمله بشكل جيد وتخلص من مديونية البنك، وكانت تلك الفترة رغم صعوبتها من أكثر الفترات التي اقتربنا فيها من بعضنا البعض، وبدأت في الشهور الاخيرة الأمور تتطور أكثر فأكثر، حتى لاحظ ذلك أصدقائنا فلفت انتباههم، مثلًا أن ما من مكان يذهب فيه إحدانا إلا ويكون الآخر معه، ووجدته حريصًا على إسعادي والاهتمام بتفاصيلي بشكل كبير فقد حجز لي للسفر لدولة كنت أخبرته ذات مرة وسط الحديث أنني احلم بالذهاب إليها، حتى جاء يوم عيد ميلادي وأعترف لي بحبه وقمنا بعد ذلك اليوم بشهران بعمل حفل خطبتنا بشكل صغير حضره المقربون منا،
كنت في ذلك اليوم سعيدة من قلبي لحد لم يتخيله أحد، سعادة أجذم إنني لم أشعر بمثلها من قبل، كنت كما لو إنني أمتلك كل ما في الوجود لي ولي وحدي حتى ذاك الكون المهيب كنت أشعر أنني أنا التي احتويه بداخلي وليس هو من يحويني بداخله، كنت معه دائما أتعجب من ذاتي فرغم خبرتي في الحياة التي ليست بالقليلة، ورغم إعتيادي على إتخاذ أصعب القرارات، وشخصيتي الصارمة التي عُرفت بها كنت دومًا طفلة صغيرة بين يديه، كلما ترددتُ في أمر مهما بدى بسيطًا أذهب إليه ليحسمه هو لي، كلما شعرت بالضيق أحدثه بالساعات في الهاتف لأخبره عن إحساسي بكل ما أتملكه من مشاعر مضطربة وكان هو يستمع إليّ بكل جوارحه حتى لو كان ما أسرده له تفاصيل تبدو تافهة في نظر الرجال، كنت أفكر في يوم أن أقدم له هدية ولكنني كنت مترددة عن ماذا اشتري له؟، فتذكرت ساعة يد أعرف أنه يبحث عنها ولكنني كنت أنسى أسم البراند الخاص بها، فخططت أن أطلب منه هاتفه غدًا عندما نتقابل لأجري مكالمة أو بأي حجة مماثلة وأدخل على صفحة الفيسبوك الخاصة به لأعرف البراند الخاص بتلك الساعة من قائمة الإعجابات، وبالفعل في اليوم التالي كنت جالسة معه في أحد المطاعم وطلبت منه أن أتصل بصديقتي؛ لأن هاتفي قد نفذت بطاريته؛ وفي تلك اللحظة عرفتُ أن هناك أقدار نساق إليها في حين كنا نظن أننا إخترناها بمحض إرادتنا،
عندما نفدت إلى حسابه على الفيس بوك وصلته رسالة للتو على هاتفه من فتاة بصورة لها لتأخذ رأيه قبل وضعها على حسابها الشخصي، ولأنه كان يضع الهاتف على وضع الصامت فلم يشعر بأن هناك إشعار قد وصله للتو، قرأت الرسالة وكنت أقول ربما تكون صديقة عادية ولكن كان يراودني الشك فلماذا صديقة تأخذ رأيه هو في صورتها؟! حفظت أسمها بذاكرتي وخشيت أن يعرف إنني رأيت الرسالة فقمت بمسح الصورة من التطبيق وإن سألته هي لماذا لم يجيب فسيخبرها أنه لم تصله أية صور منها وبالطبع سيشك كلا منهما بسرعة الانترنت،
لما يظهر عليّ أي شيء مغاير وبعد وقت قليل طلبت منه أن نغادر لإننى على موعد هام في السادسة صباحا ويحب أن أنام جيدًا، وفور أن ذهبت للمنزل قمت بالبحث عن تلك الفتاة التي حدثته فلم أجد من الأساس أنه صديق مشترك بينا! أو أنه يضع لها أي إعجابات على أي شيء تضعه هي؟! ظللت أبحث كثيرًا حتى وجدت أسم لشخص آخر يضع صورة تشبهه وعندما نفدت إلى حساب ذلك الشخص وجدته بالفعل هو ولكنه بأسم مختلف وبصورة لم أراها مسبقا، شعرت بالجنون ولكنني لم أكن أستطيع أن أحدثها لأسألها عن شيء، وفجاءت على خاطري حينها فكرة أن أقوم بإختراق هاتفه، فاتصلت بأحد موظفين البرمجة بالشركة؛ ليساعدني في ذلك وقام بالفعل بشرح طريقة أستطيع بها إختراق هاتفه عن طريق رابط به صورة إن أرسلته لأخذ رأيه بها وقام هو بالضغط عليه ستكشف أمامي كل محتويات هاتفه لم أتردد لحظة وقمت بخلق حديث معه على الهاتف أخبرته فيه أن يفتح الدردشة الآن لأخذ رأيه في شيء لا يحتمل التأجيل وذلك حتى يتشتت فلا يفكر كثيرًا وبالفعل فور أن نفد: إلى الرابط قمت بعمل خطوة على جهاز اللاب توب الخاص بي فوجدت كل ما يخصه معروض امامي حينها، تحججت بشيء ما وأنهيت المكالمة معه وأخذت أجول في محتويات هاتفه ووجدت مالم أكن أتوقعه مطلقًا، أكثر من بريد إلكتروني بهوايات، وأسماء مختلفة، رسائل ومحادثات لا حصر لها على عدة تطبيقات، بينه وبين فتايات كثيرات من مستويات وأخلاقيات وأعمار كثيرة، كلًا منهما يحدثها بشخصية لا تشبه الأخرى ونفدت إلى أخر محادثاته وجدته يتحدث فى نفس اللحظة التي أرى بها الرسائل ويبدو أنه في بداية علاقة مع فتاة جديدة؛ كانت هي الوحيدة التي تشبهني كثيرًا من بينهم جميعًا في حديثها معه، ردودها، نبرة صوتها في التسجيلات الصوتية، تأخرها في الرد على عبارات الغزل التي يقولها لها، والتي توحي بشعورها بالخجل مثلي تمامًا أما هو فلم يعتد التغير في طريقته، كان يشاركها نفس الأشياء، يرسل لها ذات الصور التي كان يرسلها إليّ على إنها حصرية ليومه، وفي محادثات له على تطبيق آخر وجدته يطلب من فتاة آخرى أن ترسل له صور لها بمقابل مادي!
كنت أقرأ وأرى كل ذلك ولا أستطيع التصديق من الأساس أن هذا بالفعل حقيقي! كنت كلما حكى لي أحد أصدقائي عن أشياء كهذه أسمعه ومن داخلي أسخر وأقول: أن مثل تلك الأمور لا تحدث سوى في الأفلام التي لا معنى لها لا أكثر، ولكنني عشت ذلك بنفسي فلم استطيع حينها أن أشك في مصدقية الأمر ورغم ذلك كنت أخبط رأسي، أعيد فرك عيني، أجول في الغرفة مئة مرة في الدقيقة، أنظر للمحادثات مرات كثيرة لأتأكد من أنها حقيقية بالفعل وأن عيني لم تخدعني وعندما تأكدت أدركت معني كلمة طالما سمعتها كثيرًا ولم استشعر معناها سوى الآن وهي ” القهر “.

لم أكن استطيع تحمل تلك الحرقة التي إنتابتني ولا استطيع التفكير أو إتخاذ أي قرارات وكان هو حينها يتصل بي كما أعتدنا أن نتحدث في مثل ذلك الوقت بعد أنهى حديثه معها، كنت أنظر لصورته وأسمه على الهاتف وأعيد النظر إلى المحادثات المفتوحة أمامي على جهاز الحاسوب كنت أراه حينها شخصان وظللت لفترة طويلة مقتنعة بذلك أنه ليس هو ذات الشخص مطلقًا وأنه ربما حدث خدعة ما في الأمر كان يتملكني الغضب حينها بشكل جنوني ولم استطع إستكمال قراءة باقي المحادثات، نزلت بملابس المنزل لأجول في الطريق كالخيل الهائج الذي لا تستطيع كبح ذمامه أو إيقافه أو حتى الإقتراب منه لا أعرف ماذا عليّ أن أفعل كنت أود أن أنتقم، أود مواجهته، أود إهانته، أرغب في قطع علاقتي به، أود أن أتفهم لماذا فعل ذلك معي؟!، أو مع الأخريات؟!، وما هدفه من كل ذلك؟، مئات من الأسئلة تتصارع في ذهني، وآلاف التخيلات والسيناريوهات تحلق حولي، كنت أعرف إنني أن أتخذت أي قرار في الوقت الحالي فمن المؤكد أنه سيكون خاطئ إلى حد كبير وأنه عليّ أن أهدأ أولًا حتى استطيع التفكير جيدًا لأتخذ القرار المناسب.


يتبع .. الجزء الثاني

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by HAVEN Magazine
error: Content is protected !!