لكي تظل على قيد الحياة، يجب أن تَهِبَ جُزءًا من روحك..
أشياءٌ غريبةٌ تَشِعُّ سوادًا، طويلةٌ كطول ساعاتِ الرعب التي أعيشها الآن، أجسادهم من دُخان، روؤسهم تتمثل في قناعٍ أبيض كبياض شفتيَّ من الخوف..
جميعهم ينظرون إليَّ نظراتٍ لا تبشر بالخير، همسات وهمسات.. وفجأة، ساد الصمت، واصطفوا جميعًا على الجانبين..
ظننت أنهم سيرحموني ويتركوني لحالي، لكنني كنت مخطأ؛ نظرتُ إلى ما ينظرون إليه فشعرتُ بأن قلبي سيفارقني من هول ما أراه، يبدو أن ذاك الشيء هو سيِّدُهُم، يفوقهم طولًا وضخامة، هناكَ أشياءٌ غريبة تخرج من جسده وتنتقل لكل فردٍ منهم تلقائيًا.. ترعبني تلك الهالةٌ القاتمةٌ التي تحاوطه.
جرَبتُ أن أنظرَ له مباشرةً فوجدته ينظرُ إليّ.
ارتجفتُ كأن نظراتهِ نَفَذت لقلبي، إنه الشيطانُ بعينه!
أردت وبشدة أن أفقدَ وعيي، أو تفارقني أنفاسي.. أي شيء، المهم أن أهرب من هنا.
مع كل خطوةٍ يخطوها تخرج منه تلك الأشياء الغريبة وتستقر في أجسادهم، ويزداد رعبي مع اقترابه.
يقترب، ويقترب… ويقترب!
إلى أن وقف صرنا وجهًا لوجه.
لاحظتُ أنه يمتلك يدين وليس كأتباعه، أشار إليَّ بأصابعه التي تبلغ من البشاعة أقصاها، وتحدث..
_ما الذي جاء بك لعالمنا؟
بعثَ صوته الرجفة في أوصالي ودبَّ الرعب في قلبي بشدة، فقد لساني قدرته على النطق، خارت قواي بالكامل، لكن العجيب أنني لم أسقط صريعًا.
الشيء الوحيد الذي أعلمه هو أنني لو لم أقضِ عليهم، سأهلك.
لكن بوجود سيدهم قوتهم تزداد، يجب أن ينصرف لكي تخرج تلك الأشياء الغريبة من أجسادهم وتضعُفُ قوتهم.
لا يوجد حلٌ سوى المناورة.. استجمعت كامل قواي وتلفظت بكلمات بدت واهنة لشدة خوفي
=لا أعلم، أنتم من استدعيتموني.
تعالت ضحكاتهم من حولي دليلًا على عدم تصديقهم لكلماتي، لكن سيدهم نظر لي بتمعنٍ يخالطه الدهشة، وأصدر أوامره..
_صمتًا! اتركوه هنا وانصرفوا، ربما كان هو “المنقذ المنتظر” الذي انتظرناه لقرون.
عمَّ الصمت المكان وانصرف سيدهم وخَرَجت في أثره الطاقة الغريبة من أجسادهم.
نظروا إليَّ بوجوم، وبمجرد أن تأكدت من خروج سيدهم أعلنت الحرب..
لا أدري كيف، ولكن هناك قوةٌ تتمثل في كرةٍ بيضاء متوهجة تخرج من يدي مقابلَ فقداني لجزءٍ كبير من طاقة جسدي، ويُصاحِبُ خروجها ألمٌ حاد في القلب وكهرباء تنتشر في أنحاء الجسد حسنًا، لا بأس فلكل شيءٍ ثمنه.
بدأت الحرب الغير متكافئةٍ بيني وبينهم، أطلقت الكرات البلورية على فردٍ منهم على حين غفلة، فاحترق وتلاشى.
ركضت في الاتجاه المعاكس بأقصى قوتي وتلاحقني أطيافهم وكراتهم المماثلة لكراتي البلورية؛ لكنَّ خاصتهم سوداء ذات رائحة كريهة، أحاول تفاديها وأنا أركض، أصابتني إحداهم فشعرتُ بالشلل يفترس جسدي وبألمٍ لا يطاق.
أظلمت الدنيا شيئًا فشيئًا وسقطتُ أرضًا ولم أشعر بشيء بعدها، لكن الجميل في الأمر أنني هربت، حتى ولو بصورةٍ مؤقتة.
