مقالات

سلسلة شبهات المستشرقين حول الإسلام الحدود: هل تجعله دين يدعو للعنف؟

بقلم: د.سناء محمدي

الجزء الثاني

لنكمل ما بدأناه عزيزي القارئ في مقالنا السابق حول الحدود وما أثاره المستشرقين حولها؛ حيث لا يطبق الإسلام الحدود حتى يضمن أولاً: أن الشخص الذي ارتكب الجريمة قدارتكبها دون مبرر أو شبهة اضطرار فهو يقرر مثلاً قطع يد السارق ولكنه لا يقطعها أبداً وهناك شبهة بأن السرقة نشأت عن الجوع الشديد، وكانت بالقدر الذي يسد رمقه ويقيم عوده فقد ثبت أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لم ينفذ حد السرقة في عام الرمادة (عام المجاعة)، والإسلام أيضاً يقرر رجم الزاني والزانية ولكنه لا يرجمهما إلا إذا كانا محصنين وإلا إذا اعترفا، أو شهد عليهما أربعة شهود بالرؤية القاطعة.

يعني ذلك أنهما شخصين سقط عنهما الحياء حتى أنهما يمارسان الرذيلة وهما متزوجان ويراهما كل هؤلاء الشهود إذن فإن عقوبة الزنا قصد بها الزجر والردع أكثر من ما قصد بها التنفيذ والفعل وفيها أيضاً الحفاظ على سمعة الإنسان وكرامته من مجرد شائعات يثيرها أصحاب النفوس الضعيفة حوله انتقاماً منه لنقيصة لديهم.

وعقوبة من يشرب الخمر ويسكر ويضيع عقله وماله وصحته هي الجلد وذلك لأن ضياع العقل وغيابه بشرب المسكرات والمخدرات يؤدي إلى كل فاحشة وارتكاب كل فعل محرم ولعل أبلغ مثل على ذلك ما نراه ونقرأه يومياً من أخبار الجرائم وانتهاك الحرمات وضياع الأنفس والأموال والأعراض بسبب غياب العقل عن رشده بسبب المسكرات والمخدرات فحفظ الإنسان لعقله يقظاً لا يضمن حقوقه هو فقط وانما يضمن ويحمي المجتمع ككل.

ولتنفيذ كل حد من حدود الله شروط صارمة قاطعة ويسقط الحد إذا لم تتحقق هذه الشروط وفي هذا رحمة بالإنسان وحفظاً لكرامته وحرمته من الشكوك والشبهات وظن السوء ولا يثبت الحق إلا بالدليل الذي لا يتطرق إليه الشك فإذا تطرق إليه الشك كان ذلك مانعاً من اليقين الذي تبنى عليه الأحكام، فروى ابن ماجة عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال “ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً” وروى الترميذي عن عائشة (رضي الله عنه)ا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم؛ فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة”.

ورغم ما قيل في هذا الحديث من وقف على بعض الرواة، أو أن هناك راو في اسناد الحديث ضعيف إلا أن بعض علماء الحديث احتجوا به على مشروعية درء الحدود بالشبهات حيث أن الشك يوجب التعزير، فلا يقام الحد إلا بثبوت انتهاك الحد ثبوتاً لا شبهة فيه فالإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ويصيب بريئاً بظلم.

من هنا نجد أن الحدود في الإسلام قاسية ورادعة لمن لا يحترم المجتمع والأمة وقوانينها التي وضعها الله سبحانه وذلك لتصان الأنفس والأموال والأعراض وتحفظ العقول والأنساب ويستتب الأمن في ربوع الوطن الإسلامي وفي الوقت نفسه نجد أن القوانين والدساتير الوضعية لم تعالج أسباب الجريمة قبل وقوعها ولم تردع عقوباتها المنحرفين بعد وقوع الجرائم لذلك نجد أن الجرائم والإنحرافات لم تتوقف في الدول التي لا تطبق الحدود التي وضعتها الشريعة الإسلامية وإنما هي في ازدياد وتفاقم وهذا يعني عدم نجاح القوانين والعقوبات الوضعية في مهمتها لردع وزجر المنحرفين والمجرمين.

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!