كلا ليسوا أصدقائي، هم أكثر من هذا بشدة، هم أكبر من كونهم كومة ورقة مليئة بالكلام مرمية ببعثرة على طرف طاولة في غرفتي المظلمة.
الجدِّيرُ بالذِّكرِ حقًا أنّ الأوراق تستطيع أنْ تحمل عبئًا كثيرًا دون أنْ تستثقلك، أنْ تشتاقُ إليكَ إذْ غبتُ عنها، وتغار إذْ حادثت غيرُها، تُخبىء في جوفها مالم تستطع سردهِ، إنْ يتلعثم لسانك تأتي لتُنقذك، هي وحدها تعلمْ بأن أبشعِ الأمور صادفتك وحدك
تتذكَّر أولِ مرة تعرفتُ عليها، الصفُ الأول، عِندما جئتَ لوالديكَ تشتكي مِن تنمُّر أصدقاؤك فوبخكَ والدُك مِن العلاماتِ المُحرجة الذي حصلتُ عليها، تتذكر لحظات إنهيارك التي لا يعلم عنها أحد وخيباتك الي أخفيتها حتى عن مقربيك، ودفنتها بين السطور
تعرِفْ تمامًا مواضع الندوب في جسدك وتعرف الندوب الذي لا تُرى أيضًا في قلبُك، تعلمُ بأنكَ تُعاني ضيق التنفُسِ، وتخافُ أن تنامَ وحيدًا، تكره الضجيج وصوت المارة والباعة المتجولين تعلم تمامًا أنك لست على ما يرام، فلمْ يُلاحظ والديكَ شيئًا غيرُ التقصيرمنك ولا يلاحظ البشر من حولك سوى أنك أصبحت ذو عصبية مفرطة وصبر قليل.
البعض يعتقد بأنها تُشّفِي هي لا تشفي بقدر ما تخفف، هي تحمل الحديث الذي لم يُقال وقتها لكنّها لم تحمل سوء الشعورِ.
الأمر في غايّة التعّقد، تكتب لترتاح قليلًا، أو هذا ما تعتقده، لكنّ الالآم تسّكن مُدة وتعود بعدها.
تعود بشدة، فتغلق أوراقك وقد تربع اليأس فوق صدرك فيأخذك اليأس الممتزج بأمل باهت إلى أن تشفق على نفسك فتخاطبها
هل ترانا نتجاوزها أو تتجاوزنا ؟
تلك الأنات والعبرات المحرقة المتواصلة والنبضات الثقيلة المحمل وذكريات الألم من ألم مباشر حقيقي أو سعادة كاذبة تحولت لألم جم؟
هل كما يقال تصبح عضوًا فينا نستيقظ بها ونحيا معها ؟
ماذا لو نجونا؟
ماذا لو تجاوزناها وتجاوزتنا وبترناها غير مكترثين؟ ماذا لو حل محلها لطف جم كثير وضحكات صادقة ودموع فرح وخفقان حب؟ هل ترى يحدث؟.
هل يجيء يوم حقيقي نعيشه بشغف وليال واقعية كلها أمان ننامها بلا وسائد مبللة ولا خيبات؟.
هل تطلع تلك الشمس التي لازمتنا في الصغر حين لم يكن هناك مكان لحزن ولا مشقة، حيث ألعابنا وحكاياتنا وهمومنا الصغيرة التي لعل أكبرها حفظ جدول الضرب.
فلا نفسي تجيبني ولا الأوراق تجيب، ولكن أود حقًا معرفة إذا ما كان ما أنا فيه من حال هو فترة كما يقال عنها، أم أن الحياة خلعت قناعها لأرى الواقعية في أشد صورها مرارة؟.
لا أحد يعلم.
