مقالات

بين حفظ الدين وفهمه ضياع أرواح

✍️ آية الدنون

في مجادلة بيني وبين إحدى ناقلات نصوص الدين بلا فهم حول تولية رئاسة “تنزانيا” للسيدة “سامية حسن”، وهل يجوز شرعًا وأن تتولى المرأة رئاسة بلد؟

كتبَتْ إحدى صديقاتي منشورًا تدعي فيه للسيدة “سامية حسن” بتسديد خُطاها، وتقول فخرًا بها «هذه أول رئيسة مسلمة في تاريخ تانزانيا وشرق إفريقيا».

ولم يجذب انتباهي المنشور قدر ما جذب انتباهي تعليق إحداهن عليها قائلة بلهجتنا «أصلاً مينفعش في الشرع تبقا رئيس أنثى».

ثم ذهبَت إلى “جوجل” تعُد الحُجج لتأييد رأيها ناقلة للنصوص بدون تمحيص، ومقلِّدة تقليد المُتَّبِع بلا دقيقة تأمل، ونسخَتْ ما يؤيد ما تحفظه بلا فهم من “جوجل” كالآتي: –

• ما صحة حديث (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وهل هو انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام؟
فكان الجواب الحمد لله، هذا الحديث من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، ونصه:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً».. رواه البخاري (4425)، ورواه النسائي في “السنن” (8/227) وبوب عليه النسائي بقوله “النهي عن استعمال النساء في الحكم”.. انتهى.

شعرتُ وقتها أننا من نشوه دين الله بأيدينا بجهل منا، وحفظ للنصوص وتأييد للآراء بدون إعمال العقل في النص، ومناسبته وزمانه ومكانه، ومقصد الرسول صلَّ الله عليه وسلم منه، وهل هو عام أم خاص بحال الواقعة، وزمانها ومكانها وحال السائل، والحادث وقتها، وما تحتويه الألفاظ.

فرددتُ عليها داعية الله أن يوفقني في إجابتي انتشالًا للكثيرين، والكثيرات من اتباع الخطأ وفي اعتقادهم أنهم متبعين للصواب – وهذه كارثة – فقلتُ:
طبقًا لمجال دراستي “وهو البحث في أصول الألفاظ” الذي يهدينا إلى أصول الوقائع والمناسبات، فإن حديث (لم يصلح قوم ولوا أمرهم امرأة) حقًا صحيح، ورواه البخاري عن أبي بكر عن النبي صلَّ الله عليه وسلم.
لكن يلزمنا معرفة أن المناسبة كانت عندما ذهب الرسول إلى أهل فارس ووجد أمرهم، وولايتهم في يد بنت كسرى قال هذا الحديث.
لأنه كان قد أرسل كتابًا من قبل إلى كسرى، مزقه فسلط عليه الله ابنه ليقتله، وقتله إخوانه فما بقى منهم غير البنت هي التي تحكم ولم يكن ورائها لا رجال تستشيرهم، ولا أحد قائم على حوائج البلد ولأجل ذلك ضاعت البلد، وضاع الحكم صالح لأجل الغضب الذي أصابهم بسبب تقطيع كسرى للكتاب الذي أرسله الرسول من قبل.

ثم قلت بلهجتي «فبصراحة أنا شايفة إن فهم النصوص أهم كتير من إطلاقها».

فقالت لي ساخرة مني «صحيح فهم النصوص أهم من إطلاقها ولذلك انتِ خاطئة»، وأتت لي بلقطة شاشة تقول: أن الحكم عام، وليس خاص بالواقعة فقط.

فقلت بلهجتي «تعم زمن حال الواقعة ومناسبة القول ولا كل الأزمان.. أعتقد العموم والخصوص ليه أحواله واطلاقه بيكون حسب الحال وليس كل الأحوال.. دا رقم ١».
رقم ٢ «اللي بيتولى رئاسة حاليا بيكون وراها ناس مش بتنزل هيا تغزو العالم وتفعل أفعال الرجال ولا بتنزل في الحروب، يعني لو دققنا في الأمر هنلاقيها ممكن مجرد عقل مدبر مش جندي في معركة ودا بقا اختلاف الحال».

فقالت لي «النبي كان أعلم بكل الأمور دي مننا، والتشريع صالح لكل زمان ومكان، والسبب هو عاطفة المرأة، ودي فطرة المرأة دائما وابدا، مبتكلمش عن الخارجي عن القاعدة ابدا لان لكل قاعدة شواذ، والعاطفة مبتتلغاش ولا بتتغير بتغير الأزمان، والمُشرع واحد وهو رب العباد والعالم بعباده كويس ومصالحهم تحتاج وتتطلب ايه».

فقلتُ «المشرِّع واحد عشان كدا قال ويخلق ما لا تعلمون، والخلق دا بيشمل تغير الأحوال تحت ظل نفس الحكم الرباني.
بس لما الرئاسة تختلف حاليا عن الامارة زمان، من حيث المتطلبات وطبيعة العمل يبقا دا بقا نفس الحكم بالضبط، ولكن الواقعة اتغيرت فبالتالي مبقاش ينطبق عليها الحكم ذاته، بتخرج عن الحكم لان شكلها وطبيعتها اتغيروا زي الإمارة كدا والرئاسة.
قارني بين زمان وحاليا هتفهمي ان الحكم اللي ينطبق ع الامارة زمان مينطبقش عالرئاسة حاليا، اذن المشرع واحد والحكم واحد ولكن الأمر هو اللي اتغير فمعادش يدخل تحت بند الحكم.
ومسألة حكم المرأة وولايتها للقضاء من المسائل المختلف فيها بين الأئمة والفقهاء؛ حيث قال بجواز ذلك بعض العلماء ممن لهم وزنهم وعلمهم واجتهادهم في الفقه الإسلامي، وما دام أنه لا إجماع في المسألة فلا إنكار على المخالف فيها، وإذا كان الأئمة قد وسِعَهم الخلافُ فيها فليَسَعنا ما وَسِعَهم.
ولا يجوز اختزال الدين أو قصره على مذاهب أو أقوال معينة يرى أصحابُها رجحانَها على غيرها؛ لأن ما لا يصلح لزمان أو مكان معيَّن قد يصلح لزمان أو مكان غيره، وليس لمَن سلك طريقةً من الورع أن يُلزم الناس بها أو يحملهم عليها أو يشدد ويضيِّق عليهم فيما جعل الله لهم فيه يُسرًا وسَعة.
وهذا يكفي..

فانسحبَت هي من الحديث ولا أدري أهو انسحاب الهزيمة، أم عجزها عن فهم النصوص والمجادلة بالعقل لأنها اعتادت على الحفظ والترديد!

فأمطرت السماء بعد هذه المجادلة وإذا بي أقول في خمسة دقائق على هذا الرابط «نحن نؤذي بعضنا البعض بالحكم عن جهل والمفترض أننا أهل للدين».

رابط الفيديو:

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by HAVEN Magazine
error: Content is protected !!