مقالات

صراع مع النار

عبد الله الحداوي

في بداية عام 2018 كتبت منشور على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك أنني سأصبح مليونيرًا.
كانت كمية السخرية التي جائتني حتى من المقربين كافية بأن أصعد بها للسماء لو حولتها لحجارة ووضعتها فوق بعضها لبعض، لكنني وضعت الهدف وتركت روحي تسمو، وتعانق عمق الحلم كلام المحبطين، وقلة الماديات، وصعوبة الوصول وعثرات الطريق، والفشل المتكرر كانت بمثابة النار التي تواجه كل من يحاول الخروج من قعر القاع الذي نحن فيه.

بدأت أحاول، وسمعت النار بي، فأرسلت لي المقربين مني والأصدقاء الذين أشدد بهم أزري، ماذا تفعل؟ كف عن الجنون؟ دعك من هذا وتعال اجلس معنا في المقهى؟، لكنني رفضت الخروج من السجن الصغير الذي حبست نفسي فيه، ووضعت تسع سنين من الغربة أمام عيني وحلمي المتعطش للإرادة.

النار خافت مني وبدأت تضع أمامي عقبات لا حصر لها ولا نهاية من فشل متكرر وإحباط وكلام لم يزدني إلا صبرًا.
ووضعت بين مفرقين، بين دراستي وحلمي فاخترت كلاهما وتابعت المسير.

النار خافت أكثر، صفحة بعد صفحة وفشل بعد فشل تلاه بدايةُ الأمل والنجاح،ولكن كان لنار المجتمع رأي آخر.
ففور إنتهائي من الكتابة مررت بوعكة صحية وتبين فيما بعد أنها بحاجة إلى عملية جراحية فورية.
كان وقع الخبر علي صادمًا وفقدت جزء من الشغف إلا أنها لم تكن النهاية

خرجت من العملية التي إستوجبت شهور من العلاج والجلوس في المنزل، ظنًا من النار أنها بهذا قد غلبت، ولكن من أراد الوصول لا تعنيه عثرات الطريق بل كانت العثرات هي الطريق.
بعد خمسة أيام فقط وقعت عقد روايتي الأول.
وعندما رأيت بقعة الدم على قميصي من جرحي الذي لم يندمل، هنا فقط تأكدت أن حلمي سيأكل من لحمي حتى يتحقق، وتعليمات الطبيب بأن لا أغادر المنزل إلا بعد أقل من شهر كامل لم تكن فالحسبان.

هنا أنطفأت النار، بل ولم أكتفي بأن أطفئها بل أشعلتها في داخلي.
بدأت حياتي تتغير وبدأت غيمة الصبر تمطر نجاحًا.
عاد المقربون والأصدقاء، وعاد الذين راهنوا على فشلي في أول مرة زرت فيها معرض الأسكندرية.
عرفت حينها كم أن طعم النجاح الممزوج بالصبر يستحق عنائه.

كنت أنا النار آن ذاك، وتغيرت قواعد اللعبة مع الحياة.

لكي يكلل حلمك بالنجاح قم واتعب ولا بأس بالفشل.
لا بأس بالجروح، إجتهد وأنكسر وقم بترميم كسور قلبك بيدك.

كنت أحيانًا أيأس، أحيانًا أكتئب، أبكي، كلا لم أبكي.
كبريائي لم يسمح بهذا، وقلبي الذي كان سبب إكتئابي يدفعني للنهوض في كل مرة، لأنه كان يخبرني أنني لم أخلق لأعيش حياتي عبثًا وليس لي مكان في هذا الواقع السطحي الجاهل الممل.
كان يخبرني بأن أفكر بغربتي، بوطني، بأمي وأبي، بجروحي وألمي ولحظات أنهياري، بكم شخص كسرني.
أن أفكر بما سيقوله الناس بعد موتي، وما سألقى الله فيه.

بأن أفكر بأنني لن أكون مجرد قطعة حطب داخل هذه النار، وانتفض.
نعم أنتفض، أنتفض على شيطان اليأس في داخلي.

مر عامان وأصبحت مليونيرًا جيبه خالي من المال، مليونير كلمات، أصبحت معروفًا في المكان الذي أنا فيه.
ووصلت أخبار نجاحي إلى بلدي الأم، ورئيت دموع الفخر في أعين أصدقائي وأهلي هناك، فكنت بها أغنى الناس.

من أراد سيصل، العثرات هي الطريق والروح إذا تعطشت للحلم إسقها بماء الصبر، والطريق إذا ما أظلم فنور القرب من الله وتمتمات السجود ليلًا كفيلة بأن تنيره.
الناس لا تكف عن الكلام، والحلم ينتظر، والحرب مستمرة.

ومن جد وجد ومن سار بالحلم مستعينًا برب الحلم صابرًا لا تعني له مغريات الطريق شيء وصل.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!