مقالات

رسائل محذوفة

✍️ هبة عبد الحليم

خلقت الكلمات لتنقل ما يدور بخلدنا، لتحول مشاعرنا إلى حروف تنسج الكلمات، للتواصل الحقيقى، لنشعر بوجودنا وقدرتنا على انتشال هذه الكومة من الأفكار المتراكمة على جدران قلوبنا حتى عميت القلوب التي في الصدور فنظل في حاجة ملحة إلى إزالة هذا العبء الثقيل لعلنا نتخفف قليلًا منه ولكن هيهات أن نعثر على الفاظ بنفس قوة مانشعر به وبنفس وهج ما يحترق داخلنا.

فلغة المشاعر أحيانًا لا نجد لها ترجمة في قاموس مفرداتنا فنكتفى بالمتاح، نعم اللغة وعاء الفكر، ولكن ثمة أفكار نعجز عن البوح بها والتعبير عنها بسلاسة وحرية.

أعتذر نيابة عن كلماتي التي ربما تخترق القشرة الملتئمة لذلك الجرح العميق في نفس كل من استجاب لنداءات تلك القطعة الغضة التي تنبض بداخلنا بلا توقف لتبقينا على قيد الحياة أو هكذا نبدو للرائي من الخارج.

فها نحن نسير على أقدامنا، نتنفس بانتظام، أعضائنا تعمل في انسجام، نأكل ونعمل ونتسامر ونضحك ونلقي التحية ونبعثر الابتسامات، كل شيء يؤكد أننا أحياء بل أزيدكم من الشعر بيتًا نبدو أننا سعداء أيضًا! ولكن الانتصارات المادية لا تنفي حقيقة أنك مهزوم من الداخل هزيمة مزلزلة، فقد خسرت أكبر حروبك وأكثرها قدسية على الاطلاق بفقدان ذلك الحبيب الذي كان جبهتك في المعركة.

فكُنت كالثائر الذي يهتف حتى تنقطع أنفاسه كمدًا ليعود له وطنه.

حتى تنعم بالقرب ممن أحببت تختار أن تجتاز جميع الطرق المشروعة، أن تستنفذ كل الأسباب وتستهلك كل الخطط، وتقطع جميع الطرق قبل أن تكتشف في النهاية أنها كانت تؤدي إلى نفس الباب الموصد فلا جدوى من المزيد من المحاولات الفاشلة، فأنت الآن أمام النهاية الحقيقية التي سطرت بحسم ولا سبيل لتغيير الواقع الذى يشبه المسخ الهزليّ لشدة انكارك له ورفضك لتصديقه..فقط عليك شجاعة التسليم الكامل لحتمية الأقدار وقوة التظاهر الشديد أن كل الأشياء على مايرام مكتفيًا بالتعامل الطفيف مع البشرِ لبعض ساعة، ثم تعود منزويًا بصحبة كل هذا الألم المتفصد.

ولعلك تجد العزاء والسلوى في رؤية حبيبك يحيا سعيدًا، فقط تقتات على نظرات تختلسها لرؤيته وترهف السمع لكل حديث فيه إحتمالية ذكره.

تؤمن بغيبيات تبتلعها كالدواء المسكن حتى تهدأ نفسك وتقبل التعايش، فحينما تصل إلى أقصى درجات الرفض تردد بلا توقف أن هذا البعد هو للحب كالماء والهواء وأن الفراق كان الجذوة الملتهبة التي تبقى شرارة التعلق مشتعلة.

تتجاهل جميع القلوب المتطيرة والأصوات المحذرة وتصدق فقط في حتمية إحياء هذه الذكرة مخلدة داخل حصن منيع تبنيه من الحيطة والحذر وتحكم إغلاقه بالتظاهر كأن شيء لم يكن حتى لا تفلح أي محاولة للتفتيش عنه داخل ثنايا نفسك..

فتصبح كالمهرج المحترف الذي يجيد إظهار عكس ما يضمره أو لعلك أقرب إلى ناشط وطني حكم عليه بالنفي ليتخلى عن قضيته وتصبح نسيًا منسيًا..

فتغيب حقا بروحك المكلومة برغم حضورك الدائم وأداءك المتقن لدور المتعافى من آثار الماضي.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!