مقالات

«رمضان أهلًا»

منذُ أن كُنا صغارًا، ونحن نحب هذا الشهر، نرى فيه سعادةً تختلف عن باقيَة الأشهر، نرى البهجة تجول أرجاء المكان، نرى الفرح في أعيُن الجميع، نرى الفوانيس تحتل كل منزلٍ، شارعٍ، طريق، نرى الأمهات في كثرة ارتباكٍ تام، ماذا سيعُدون صبيحة أول يوم صيام؟، وكيف سيكون حال الطعام يوميًا!.

نشهد التواشيح الخاصة، والأغاني التي تُبصرنا بعودةِ رمضان من جديد، نشهد المُباركات من الأهل والأقارب والأصدقاء، مسلمٌ لأخيه المسلم، وآخر من نصاراني، نرى التألف والحب يجمع ويشبك بين حبال ودِهن، يسعدُ الجميع، الفقير لِمَ يأتي إليه من خيرٍ ومنّ وعطاء وصدقة، الغني لكثرة صدقاته ومشاركته في الخير؛ ولعمل تلك المائدة المُباركة الذي يشترك فيه العامة، العامل والقاعد، رب المنزل، والمدير.. لا فرق عربي على أعجمي، يأتي رمضان ليجعل في القلب بهجة، وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب: «مرحبًا بمطهر الذنوب».

نرى الجميع بروحٍ مختلفة، نرى من كان على خصامٍ ومُقاطعة ولكن يُحاول التواصل مع أخيه فينتهي الأمر بقول: «رمضان كريم».. نرى الكل يجتمعون على مائدةٍ واحدة، رغمًا عنهم، يخضعون لهذا الأمر، يجبرهم رمضان على قاعدةٍ واحدة، يضحكون ويسعدوا باجتماعهم وأن تعددت مشاغلهم، يتحدثون، ماذا سوف تفعل، كم جزءً ستقرأ، في أي مسجدٍ ستذهب!، ونرى أخرون يتحدثون عن أي مسلسل سَتُشاهد، وماذا عن هذا، وذاك؟، ليقطع حديثهم ضرب المدفع الخاص، وتكبير صلاة المغرب بصوتِ النقشبندي المُميز، ليعم الصمت وهلة فينشغل كل واحدٍ بحاله ليدعوا الله بما يريد، ثم يرجعون كما كانوا ليبدوأ بعد بسمِ الله في كسر فطورهم، نرى الجميع يهتف بجمالِ الأكل وروعته وينتظره، فينتهوا لِيصاحبه بعد ذلك أصوات صلاة التراويح التي تُشيد في المساجد فيطرب القلب لهذاالصوت ولهذه التجمعات، فيزاد الوضع بهجة على بهجتِهم.

أعتبره عيدًا أوليًا، أتفاءل وأعجب بحبِ الناس له، كلٌ منهم ينتظرونه يقينًا منهم على ما يلقونهُ فيه من خير، على ما يشعرون بهِ من جبر، على ما يريدونه بتحقق دعَويهم، كلهم على ثقةٍ بالله بذلك، أن دخولهم إلى رمضان، يجعلون منهم أناسًا آخرون، يجعل كل شخص مهما كانت عبادته وتقصيره، ملتزمًا متمسكًا بهذا الشهر لما فيه من خير، يُنبت في القلب نبتة خير، أما أن يشاء الله وتدوم، أو تندثر، ولكن الأعظم فيه، أن لإقباله من تأثير لدى الجميع، وأن تفاوتت درجة قربهم من الله، يجمعهم رمضان على مبدأ واحد وعمل واحد، وهو التقرب إلى الله بالطاعات لِنَنال مغفرته، وعَظمة ثوابه، وليخرجوا من رمضان بغير القلب الذي دخلوا به، نرى من يُقصر في اليوم تارة فيعوض بالآخر، إلى أن يحتس برضى قلب عن ما قدمه من أعمالٍ في رمضان، فخير الأعمالِ دوامها وإن قلَت.

فمرحبًا بهذا الشهر، مرحبًا رمضان، قد هل أعظم شهرٍ في العام، قد هل رمضان بما يحمله من خير، كأنه يقول للناس: لديكم فرصة هَهُنا، فلتعدوا إلى فطرتكم، ولتدعوه بإيمانِ الاستجابة ويقين الجبر والمغفرة، قد جاء شهر القرآن، قد جاء شهر المنة والعطاء والصدقات، قد جاء رمضان؛ فتُغلق أبواب النار، وتُفتح أبواب الجنة، وتُصفد الشياطين، وليس لك غير شيطان نفسك التي تأمر بالسوء ولكن يجعلك رمضان بقوة تُسيطر فيها على نفسك، قد جاء بدل اليوم الواحد ثلاثون يوم؛ لفعل ما يحلو لك من طاعات وتوبة وصلاح للأنفُس وللجميع، قد جاء مُطهر الذنوب، اليد المنونة، فمرحبًا بك يا رمضان، مرحب شهر الغيث.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!