خواطر

تميمة الحب

✍️ مريم رجب

كنت جائلًا شاردًا عندما مرت أمامي بفستان قصير يبدو أنه لم يبرح خزانتها منذ عدة أعوام، وحذاء وردي لامع يبدو من نظراتها المختلسة إليه بين الحين والآخر أنه جديد ومازالت سعادتها به تتجلى على وجهها الملائكي الصغير، أعلم تلك النظرات جيدًا ما تحمله من ذكريات رغم بعدها، تسير ممسكة بيد والدتها كأنها تعبر عن امتنانها لها، وعلى صعيد آخر تسير والدتها التي يبدو من ملابسها الرثة أنها ادخرت كثيرًا كي تلبي نداء ابنتها وحاجتها لشيء من السعادة وليس مجرد حذاء.

وتسير هى واجمة ولكن سعادة ابنتها ستخفف من عبء دين قد يكون هو سبب الدموع التي تلوح في عينيها من بعيد، أو ربما أيامًا ملقاة على عاتقها بأعبائها، أو ربما أب رحل وترك يتيمان وهو ما زال على قيد الحياة.

تذكرت وجه أمي العابس الذي ألمني دائمًا، ومررت بملامح من الماضي بالكاد تذكرتها وهي تتنصل من أوصالها، تلك الملامح التي لم أرها منذ ذلك الحين؛ ملامح كل ما يربطني بها أواصر مقطوعة، تلك الملامح هي لرجل كنودٍ فر من عائلته مخلفًا وراءه أم وابنها غير مكترث بمصير مجهول ينتظرهم.

لا أجتهد في تذكر دموع أمي التي لم تبرح خديها يومًا، وعنائها من عبء الحمل الملقى على عاتقها، فقد كانت هذه الأمور جليه وكانت جزءًا لا يتجزأ من أيامي، عانت أمي وهي تسعى من أجلي، شهدت على كفاحها ونزالها في معركتها مع الحياة من أجل إنشائي، ألفت دموع القهر في عينيها في كل عام عندما كانت تمر أعيادنا كأيامنا، عندما كانت ترى الحزن في عيناي وأنا أنظر لأقراني وهم يرتدون الملابس الجديدة وأمنياتي المسلوبة في ذلك، أعلم أن صمتي هو أكثر ما آلمها فكيف لي أن أطلب منها ما لا تقوى عليه، ألا يكفي عملها آناء الليل وأطراف النهار بدون أن تكل، لقد كَلّ صبر أمي ولم تكل هي، أعطتني ما يفوق قدرتها، ووهبتني حياتها ولم تنظر سوى لي، وضعتني نصب أعينها، وشعاع عينيها كان دائما بإتجاهي.

وها أنا اليوم ألوذ بالفرار من عينيها لأنني صرت رجلًا بفضل معاناتها وشقاءها، فكيف لها أن تمنحني حياتي، وأنا الذي سلبتها حياتها وفرضت عليها الشقاء فرضًا، حتى ولو لم يكن لي رغبة في ذلك، حال أمي كحال العديد من الأمهات…ربما تلك المرأة هى إحداهن، حتى ولو أضمرت عبراتها المتساقطة قصة أخرى.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!