قصص

كوريج أنجا ناليه

✍️ عنان فايد

كانت تجلس “غزال” بجلباها النوبي المطرز يدويًا الذي صنعته لها جدتها قبل أن تفارق الحياة، _ ليكون زي العيد الخاص بها، والذي أصبح من طقوسها الخاصة للاحتفال بكل عيد أن ترديه_ كانت تجلس أرضًا بشعرها الغجري المنسدل وبشرتها الداكنة دون أي مساحيق تجميل ولكنها تمتلك جمال خاص يخطف القلب وأظافرها الطويلة التي تعتني بها وتزينها بألوان مختلفة، وحولها صناديق كثيرة ممتلئة بكتب وصور، وجوابات بأظرف ملونة، كل شيء في غرفتها ملون أي مليء بالبهجة كالتي اعتدنا عليها من أهل النوبة في سحر بلادهم.

كان يبدو على ملامحها الحزن والدموع تكاد تنهمر من عينيها على عكس الشعور السائد في منزلها حيث أنه أول أيام العيد، طُرق الباب لعدة مرات لكنها لم تستمع، حتى فُتح..

  • غزال، ظننتك نائمة، طرقت كثيرًا لم تجيبي.
  • بلى، مستيقظة، لم أنتبه فقط.
  • ألن تنتهي من عادتك تلك بعد، الجميع يهرب من الذكريات وأنتِ تنجرفين إليها بإرادتك!
  • لم تستطع أن تحبس دموعها هذه المرة، فسقطت دون أن تشعر ثم تنهدت وقالت..
  • الفقد مها طال مدته أو قصر لا يزول ألمه، شعوره أشبه بخنجر مسموم في قلبك، كلما اقتربت منه ستزال تشعر بألمه أكثر، أما إذا اعتدت وجوده لن تتألم في كل مرة تتذكره فيها، وأنا أكثر من أصابه الفقد وأنت تعلم.
  • وأنتِ من ترفضين ترياقك وأنتِ تعلمين ذلك.. قالها “خليل” بملامح وجه مقتضب، علي عكس ملامحه الحنونة.

خليل ابن ابن عم والدي، يكبرني بخمس سنوات، رفيقي منذ الصغر ثم تأتي درجة القرابة بيننا بعد صداقتنا، عاهد معي طفولتي ومراهقتي وشبابي..

وقصص حبي المتتالية بتهور حتى ارتبطت رسميًا بشخص كان حبيبي صدقًا وآتَ لوالداي وتقدم وأصريت علي موافقتهم، وكان خليل أكثرهم رفضًا وإصرارًا على عدم إتمام الزيجة، ولكني أصررت وحدد أبي وأعمامي ميعاد الخطبة والفرح بعد ثلاث أشهر من الخطبة.. كنت أكثر الفتيات حظًا في قريتي، أبي وأعمامي من كبار البلدة، الإبنة الأولى والوحيدة المدللة، لا يثني علي قولًا أو يرفض لي طلب، حتى أنني جعلتهم يوافقون على زواجي من شخص يرفضونه لأنني أحبه، لم أكن بالنضج الكاف الذي يجعلني أفهم أسباب رفضهم، أو إنني اعتدت على أن لا يُرفض لي طلب.. قطاعني أبي بعد موافقته ولكني كنت أعلم، أنها ضيقة مؤقتة وسوف تنتهي مع الوقت، أو إذا رأى إبنته بفستان زفافها، ولكن لم يحدث.

  • كويرج أنجا ناليه (عيد سعيد) غزال، أسف أنني لم أقولها لكِ حتى الآن، فقد تمزق قلبي برؤيتك حزينة.
  • ولم يتمزق لأنك أفسدت زفافي بقتل خطيبي؟
  • أنا أُمرت وكان يجب أن أنفذ، لم يكن مناسب لكِ، وكان له علاقات سابقة سيئة وأنتِ كنتي تجهلين!
  • ومن الذى أمرك، والدي أليس كذلك!، جميعكم طعنتم قلبي ولم يتألم أحدكم لرؤية دماؤه تسيل.
  • اذهب واتركني بين ذكرياتي التي حرمتوني من تحقيقها.
  • خليل لم يقتل أحد.
  • اندفع صوت أبي من الخلف بصوت مرتفع نفض قلبي، لم أستمع لصوته في غرفتي منذ ما حدث (سنة).

فنظر له كلانا، ولكن خليل لم يبدو على ملامحه المفاجأة مثلي، الجميع أخبرني أن خليل هو من قتله قبل وصوله إلي، قبّل خليل يد أبي تجليل واحترام ثم وقف جانبه ورأسه في الأرض دون تعقيب.

  • ماذا!!
  • أنا من صنعت كل ما حدث هذا، والحقيقة الذى تدعينه حبيب وتبكين لأجله حتى الآن هو من باعكَ، أردت اختبار نزاهته وصدق حُبه لكِ، حتى أرضا على تلك الزيجة فأحضرته وعرضت عليه أن يترككِ مقابل المبلغ المالي الذي يطلبه، الذى لم يكن مفجأة أنه وافق وذهب، اشتريت أمان قلب إبنتي التي تبكي على خائن.

ساد الصمت وسكتت دموعي، وكاد يتوقف عقلي من التفكير ولم أفق إلا وأنا ألقي بالصناديق والجوابات من شرفة الغرفة، وأمرت الخدم أن يحرقوها.

ثم استدرت لأجد أبي يبتسم لي لأول مرة بعد وقت طويل جدًا، ثم اقترب مني فقبلتُ يداه ثم ارتميت في أحضانه.

  • سامحني يا أبي.
  • لا أب يغضب من إبنته المدللة.
  • لن أكون مدللة بعد الآن.
  • ستكوني مدللتي ما دمت على وجه الأرض
  • احتضنته أكثر، ثم ابتعد ليربت على كتف خليل الذي ظل صامت طوال هذا الوقت، ليقول له:
  • سيكون هذا العيد عيدان، “بعد غد زفافكم”.

نظر لي خليل بانتصار، وكأن في الخلفية صوت أم كلثوم تقول: “كنت بشتاق لك وأنا وأنت هنا، بيني وبينك خطوتين شوف بقينا ازاي أنا فين ياحبيبى، وأنت فين”

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!