فننقد سينمائي

الاختيار 2 .. نقطة من نقاط الوصل بين الدراما والواقع المعاصر

هل يستحق الاختيار 2 تلك البروبوجندا الإعلامية؟

راجعه: نورا سيد

في البداية يجب أن تعرف أنني لا ولن أحاول التقليص أو جرح عقيدتك المقدسة، أيًا كان دورك في المجتمع
وسأحاول أن أتناول المسلسل من الجانب الدرامي فقط دون التطرق للبعد السياسي منه.

بالطبع هي المرة الأولى في الدراما المصرية التي يتم فيها دمج المشاهد الحقيقية بالمشاهد المصطنعة
وبالرغم من أنها حولت المسلسل لنوع من المسلسلات الوثائقية خصوصًا بعد عرض الحلقة الأخيرة، إلا أنها أعطت للمسلسل لمسة جمالية وخدمت هدف الإنتاج، -سواء كانت تلك المشاهد المصطنعة حدثت في الواقع أو من وحي خيال المؤلف لتعطي الطابع الدرامي-.

أيضًا ظهور “هشام عشماوي” في المسلسل في أكثر من مشهد لربط الأحداث ببعضها، واختيار “البكتوشي وخيرت السبكي” لكمين البرث للإغارة عليه، ودخول “سيف العربي” في متن الأحداث؛ سيضع توجه لدى الدراما المصرية لتحويل تلك الأعمال لسلسلة من الأعمال المرتبطة ببعضها لتضع المشاهد أمام عالم آخَر من صنع الدراما، كعالم “مارفل” للإنتاج السينمائي، عالم له أبطال مخصصين له مع الفرق أنه حدث على أرض الواقع.

ملحمة العريش 2013 من مسلسل الاختيار 2

ومن هنا أصبحت تلك النوعية من المسلسلات عبارة عن رد إعلامي عن الأقاويل التي يتم تداولها بأن الضباط ليسوا بتلك الملائكية التي تظهرها المسلسل
وأنهم ليسوا على حق، وأن دماءهم حلال.

ولكن دعنا نفترض أن تعامل الضباط مع هؤلاء السفاحين ليس بهذا الشكل
وإنما هو بشكل أكثر قسوة؛ فمن الذي أجبر الضابط على التعامل مع قاتل -مقتنع أن القتل هو وسيلة تحقيق السلام والعدل- باحترام وآدميه؟

وبالعودة لمتن الحديث عن المسلسل سنجد أن المسلسل قد خُدِمَ إعلاميًا بشكل كبير لأربعة أسباب رئيسية:-

1- تم عرض حلقتين من المسلسل دون فواصل إعلانية وهم “فض اعتصام رابعة، مأمورية الواحات” وهو الأمر الذي قد أثبت براعته في لفت الانتباه بأن تلك الحلقة سوف تعرض أحداثًا هامة منذ أن تم عرض حلقة “كمين البرث” في الجزء الأول من المسلسل؛ والتي عرضت استشهاد العقيد “أحمد منسي” رحمة الله عليه.

2- كان للقنوات المختلفة دورًا كبيرًا في التركيز -سواء من خلال الصور أو الفيديوهات- على سيناريو المسلسل، ولم يقل ذلك أهمية عن المانشتات التي كانت تستخدم على تلك الميديا الرقمية.

3- المسلسل ضم عددًا كبيرًا جدًا من الفنانين، وكل فنان له جمهوره؛ وبالتالي فقد ساعد ذلك على اتساع نطاق الانتشار للمسلسل.

4- يعتبر مضمون المسلسل قضية رأي عام، لها مخالف ومعارض كل منهم له رأي يحاول إبداءه، وبالتالي فإن أي تعليق سوف يُكتب على السوشيال ميديا سيجلب تعليقات لا نهاية لها، -خصوصًا وأن الأمر ينحدر تحت غطاء الدراما وليس السياسة-.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا الآن هو “هل الاختيار 2 لا يستحق تلك البروبوجندا الإعلامية؟”

بالطبع لا؛ فالمسلسل قد تم تحضيره بعناية فائقة بداية من التتر وحتى آخِر مشهد في آخِر حلقة؛ حتى تستطيع أن تأخذك إلى ذلك العالم بكل مشاعرك، فتبكي لبكائهم وتفرح لفرحهم
وبالتالي فإن مجهود فريق العمل الذي استطاع أن يقوم بذلك -بدءًا من الفنانين وحتى أصغر مصور-، لا يجوز أن يضيع هباءً منثورًا سواء اتفقت أو اختلفت مع قضية المسلسل.

وإذا تحدثنا عن جودة العمل فنيًا فحدث ولا حرج، ولكننا سوف نقوم في هذا المقال بالتركيز على أبرز التفاصيل الإبداعية بالمسلسل وهي:-

1- التركيز على التفاصيل.
فقد استطاع فريق العمل التركيز على التفاصيل الدقيقة الخاصة بالحقبة التي يعيشونها قدر الإمكان كيافطة مسلسل “العراف”، وأغنية “ارفع إيدك فوق” التي تم تشغيلها في فرح يوسف الرفاعي.

مشهد زواج يوسف الرفاعي على عليا من مسلسل الاختيار 2

2- تصميم المداهمات العسكرية.
يبدو أن هؤلاء الممثلين قد تلقوا تدريبات عسكرية بالفعل تتضمن فتح أجزاء الأسلحة وتفكيكها ليستطيعوا القيام بالمداهمات العسكرية بهذا الشكل.

3- التركيز على الجانب الإجتماعي.
فقد حرص المسلسل على تناول حياة الضباط الاجتماعية وتأثير عملهم عليها وتأثيرها عليه
فنجد أن “يوسف الرفاعي” كلما استشهد زميل له في مداهمة يؤثر ذلك على قراره في الزواج من “عليا”
وأن الحمل الذي تحمله “نادية” عن “زكريا يونس” هو الذي يجعله قادرًا على إتقان عمله والنجاح فيه.
أيضًا علاقة عم “عادل” المسيحي بوالد “يوسف” المسلم وحزنه الشديد عليه
ومحاولة إنقاذ فتاة مسلمة لأخرى مسيحية من أن تلقي بنفسها في التهلكة في واقعة “كنيسة المنيا”
وحديث القس عن المسلمين بأنهم ليس لهم علاقة بالإرهاب الذي تم عرضه بالمسلسل عقب أحداث تفجير “الكتدرائية بالعباسية”
يركز على “الوحدة الوطنية” محاولًا ردم أي أفكار تشعل “الفتنة الطائفية”.

4- السيناريو والحوار.


فأغلب الحوارات التي دارت بين الضباط وبعضهم في المسلسل اتسمت بالطابع الكوميدي، وهو ليس ببعيد عن الطابع المصري الذي يضحك ويبتسم في أشد الأزمات قوة
بالإضافة للجمل الرنانة التي تستطيع أن تسمعها بمجرد رؤيتك للمشهد دون التحدث

«متقتلوش عساكر .. سيبوهم يرجعوا يحكوا إللي حصل»
«إنت مش ابني، ولا أنا يشرفني إني أكون أبوك»
«دك الكمين يا سمير»

الاختيار 2
لحظة استشهاد المقدم محمد مبروك من مسلسل الاختيار 2

5- أداء الفنانين.
في الحقيقة أنا لم يكن لدي النية لمشاهدة المسلسل إلا عندما علمت بأن بطلها هو “كريم عبد العزيز” وبعيدًا عن حبي الشديد له فقد استطاع كريم أن يبرز ملامح حقيقية في مشاهد عديدة وأن يظهر انفعالات صعبٌ على الشخص أن يستحضرها للتمثيل إلا إن كان داخل الحدث بالفعل؛ كمشهد حديثه مع يوسف الرفاعي في العزاء بعد وفاة محمد مبروك، والذي كان يحاول فيه أن يكون رجلًا صلب وألا يبكي وهو يتحدث، ومشهد استقباله لخبر إصابة زوجته بالسرطان.

الاختيار 2


ومن الواضح بشكل بارز أن أحمد مكي قد خاض تجربة التراجيدي ببراعة وأن أداءه قد نال استحسان الكثير من جمهور المسلسل.


وحينما تم عرض مشهد استقبال بشرى لوفاة زوجها محمد مبروك
استغرقتُ فترة ليست بقليلة لإدراك ان تلك الممثلة هي بشرى وليست زوجة محمد مبروك الفعلية.


أما العبقري “ماجد الكدواني” فلم يتخلى عن عادته في خطف القلوب بأدواره البسيطة
وفي رأيي هو الاختيار الأنسب لمشهد التأثر بوفاة ذلك العدد من الضباط في “مأمورية الواحات”.

6- الإخراج.
لو لم يكن الإخراج جيدًا، لكنا الآن نشاهد مسلسلًا مملًا مليء بالحوارات الفارغة من المضمون
ولكن وضع السيناريو في مكانه المضبوط بالإضافة لأداء الممثل؛ صنع تركيبة خاصة للحوار تجعلك منتشي وأنت تسمع السيناريو
وإذا أردت أن تتحقق بنفسك من ذلك.. شاهد حلقة اغتيال الشهيد “محمد مبروك”
أو مشهد ضرب “خيرت السبكي” بعدما ألقى الجملة المشهورة “والله لنثأرن”.

الأمر الوحيد الذي يعيب الاختيار 2 هو الافتقار لبعض التفاصيل
كتوضيح كيف نشأت العلاقة بين “زكريا يونس ويوسف الرفاعي”
وغيرها من تلك التفاصيل؛ التي سأبررها لأول مرة بأن أحداث المسلسل كثيرة ولن تتسع لهذا الكم الهائل من المشاهد التوضيحية.

وحتى لا أطيل عليك لأن الحديث عن مسلسل بتلك الدقة في الإنتاج والإخراج سيطول شرحه
فقد حاولت أن أركز على النقاط الهامة بالمسلسل دون الدخول في التفاصيل؛ لأتركها لك لكي تعطيني رأيك فيها.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!