قصص

“بين البداية والنهاية”

عنان فايد

في الساعة السادسة صباحًا في شرفة منزلي الواسعة المليئة بالزرع والورود استنشق الهواء، لم أعتاد الاستيقاظ مبكرًا لكن لم تغفل جفوني إلا لبعض الوقت فقط؛ فأنا لم أعتاد الفراش بعد، انتقلت إلى هذا المنزل الجديد ليلة أمس بل بدلت المدينة بأكملها قررت البدأ من جديد، لم يحدث شيء مؤثر في حياتي يحث على البداية من جديد، ولكن أعتقد أنه في حد ذاته السبب للبدأ من جديد، عشرون عام من الفراغ والروتين والاعتيادية لذلك قررت أن أكسر القاعدة، “في بعض الأوقات لكي تحيٰ بمثالية يجب أن تكسر القواعد”.

باريس 1990
اسمي “ليون” ذي عشرين عامًا أدرس اللغات المتنوعة أعشق الفنون بأنواعها؛ تذوقتها جميعها تعلمت الرسم في العاشرة من عمري على يد مُعلمة بارعة كانت تُدعي “موناليزا” كانت دائمًا ما تنبهر بلوحاتي واختيار ألوانها، ثم مللت فأنتقلت للكتابة في السادسة عشر من حياتي كانت مرحلة مُختلطة بالكثير من الاحداث ومختلفة ايضًا ايقنت فيها أن “إذا كنت كاتبًا فحتمًا لديك قلب نابض بالعاطفة قلب راقص، متوحش، رائع، وكل ما هو ملك لكٌ خاص بكَ ضمن قواعدكَ؛ وهو رب إلهام خاص لكَ أيضًا، أن تكون كاتب يجعلك الوحيد بإمكانك قادر ان تحب وتحيا وتعشق وتتنفس في آن واحد وتقدر على جعل من حولك أن يتذوقوا شعورك معكَ مهما كان، حتى وإن طاحت بك الحياة ألا تكتب ستعارضها لتكتب، بعدها مباشرًا تعلمت الديكور لم اترك شيء يخص الجمال إلا وتذوقتة هكذا نحن الفرنسيون نذوب بين ثنايا الفن كالسكر المُحلىٰ في كوب من شاي ساخن أسفل برج إيفل ليلًا.

ضببت أغراض منزلي وجعلتة أنيق ويشبهني زينت غرفتي بصور لمغنين مفضلين لي، وممثلين فن أحبهم وضعت أنوار حول صور عائلتي فوق فراشي، والورود الحمراء في الفاز التي من الزجاج اهدتني بها مُعلمتي، وفي الغرفة التي أمام البلكون وضعت سجاد لونة بلون القهوة البنية، ووضعت على الحائط بعض من لوحاتي وعلى المكتب الكتب المفضلة لي والتي لم انتهي من قرائتها بعد.

شعرت بالجوع فقررت أن اقضي ليلتي الأولي في أحضان برج إيفل احتسي الشاي المُحلي بالسكر مع الكعك الساخن، ارتديت فستان قصير برباط على الخصر باللون الأحمر القاتم وضعت أحمر شفاة بلونه وارتديت قفازي الأسود الناعم، جدلت شعري وأخذت قبعتي السمراء واتجهت إلى هناك؛ لكن لسوء حظي لم أوفق في التوقيت..
اليوم هو العطلة الرسمية فجميع الأماكن شاغرة لم القى سوى كرسي واحد فارغ يجلس على طاولتة شاب يبدو إنه ثلاثيني شعره مصفف للوراء، يرتدي بذلة سوداء بها القليل من اللمعة المعكوسة من الأضواء، منهمك في كتاب ما، لن أضيع فرصه قضاء ليلتي الأولى هنا لذلك توجهت إليه استأذنتة بالجلوس فلم يمانع بل أبتسم وقام ليسحب لي كرسيِ كي أجلس “في باريس الرجل يقدس المرأة”.

“بين قلبين وقُبلة فراغ لا يتسع إلا لشخص واحد”.

ألتفت لتلك العبارة على الكَتاب الذي يقرأه بأسم “world” أثار فضولي أن اسأله من الكاتب، قرأت كل الكُتب الموجودة في السوق دون مبالغة ولكن لم اقرأ هذا الكتاب..
عذرًا، سيدي! رفع رأسه من الكتاب ونظر لي بعيناه السمراء، في حين كان يضع أمامي النادل الشاي المحلىٰ الساخن والكعك السكري. ماذا، أيضًا قرأتي!
لا، بل أردت أن أسألك عن الكَتاب والكاتب، قرأت الكثير ولم أقرأ هذا من قبل. صدقتي، فهذا الكتاب ليس له إلا نسخة واحدة، والتي هي بين يدي الآن.
لماذا!؟ لأنه عالمي الخاص، أنا الكاتب لهذا الكتاب لكني لم أتجرأ على طبع العديد من النسخ ونشره، كل ما يُخط فيه يحدث حقيقة..

أثار دهشتي واتسعت عيناي في تعجب، ظننته يبالغ في بداية الأمر، حتى أخذ قلمه الخشبي ووضعه في علبة صغيرة مصفحة اخرجها من جيبه كانت ممتلئة بحبر أزرق وبدأ يكتب شيء ما ثم أغلق الكتاب وطرق بأصبعه ثم نظر إليّ، فأتت لي سيدة مُسنة ترتدي تنوره واسعة وإيشارب يغطي نصف شعرها بسلة من الورود وضعت في شعري وردة صغيرة وهادتني وردة حمراء بعنق طويلة دون أي حديث ثم ذهبت…
ليبتسم هو لي ثم يدير لي الكتاب لأقرأ أنة من فعل ذلك..
في “world” أنا من يسرد الواقع.. أتعني؟
نعم كما فهمتني أنا من اخترت أن تكوني هنا الآن معي. لماذا!
_لأني رسمت ملامحك في أول أوراق كتابي، وجسدتك بين ثناياه وأردت أن تكوني بطلة قصتي وواقعي، وأخترت أن تكون بداية ظهورك في منتصف الحكاية لا بدايتها.

“الحب يأتي قبل اللقاء أما العشق ففي النهاية، وما بين البداية والنهاية تكن الحكاية”.

وأين نحن الآن! شُل تفكيري! سأترك لكي الأجابة حتى وإن ظننتي أن هذا حُلم.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!