مقالات

«هوس الشُهرة| البُلوجر»

كثيرٌ منا ما يهوى الجلوس أمام برامج التواصل الاجتماعي، نحبُ أن نواكب العصر في سرعة مُروره، نرى ما الجديد من أحداثٍ قد شاهدها العالم اليوم، نحاول أن نُتابع ونرى لتتسع آفاقنا الضيقة، فنرى الأمور من رؤيةٍ أكبر وأشمل، ونغوص في أمورها عن بُعد.

ولكن هُناك فرق بين من يُتابع للمعرفة، أو للوصول لنقطةٍ ما، وبين ما يأخذهُ الوقت والفضول لشيءٍ لا أهمية له، ليظهر بين ثناياهم العديد من مهوسي المُتابعة، ومهوسي الشهرة، أو ما يُسمونهم «البُلوجر»…

البُلوجر هي كلمة تعني التأثير، شخصٌ يُقدم محتوى عمله للآخرين؛ لشموله على فكرةٍ ما أو أمرٍ ما للإفادة، أو لصنعه شيء جميل فأحب أن يقدمه، ولكن عندما يزيد الأمر عن حدهِ المُعتاد، ويصل لصيغة من المُبالغة شديدة الخطورة!، فعليك التوقف آنذاك.

نرى اليوم في أيامِنا تلك أن الشُهرة قد وصلت إلى حد الإدمان، وصلت إلى حد تسجيل وترسيغ كل شيء بما تعنيه الكلمة من معنى، ليس فقط للذكرى ولكن للشُهرة، للمعرفة!، وشتان شتان بين هذه الكلمة وذاك.

أصبح هوس الشُهرة أول هدفٍ ودافع إلى المزيد والمزيد، قد لا تحتوي هذه التفاصيل على ما هو هام، بل أنها تُعد شيئًا عاديًا ليس له قيمة، هو تسجيل لحظات عابرة؛ من أجل كثرة المشاهدة ليصل الأمر إلى ما خُطط له، لا تدري، أهو حقًا حقيقة، أم تصنُع من أجل غرضٍ ما!.

يتسابق كل شخصٍ من مهوسي الشُهرة على من سيكون الأفضل؟، من الذي سوف يتسلق قمم الجبال في كثرة المُتابعين، من يعمل بجد ويُجاهد ليحصل على كثيرٍ من الغنى الفاحش، بهذه الطُرق التي وصلت بنا أرضًا.

وعندما تسأل أحدًا منهم ما السبب إلى هذا؟، يقول لك: أنها حياة المشاهير سيدي الفاضل…
يلهوثون على كثرة المال لهثًا، مع أن حياتهم تلك، دون توثيق مُفرط بطرق بشعة منهم، وحال ثراهم، تبدوا أفضل بكثير، ولا حاجة لهم لصُنع ما يُسمونه مُحتوى.

وعلى صعيدٍ آخر ترى حال المُلتقي بوضعٍ غير مفهموم، هل يُتابع فضولًا، أم حُبًا، أم لفراغ وقته، أم لنظرة التعجب والانتقاد!، قد يتفق مهوسي الشُهرة على ما يقدمونه من فكرة -مثلًا- ولكن تختلف عقلية المُلتقي، فمنهم المؤيد، المعارض، الناقد، الشبيه، المُحب، الحاسد… وهذه هي أصعب الصفات.

يقولون يا ليتنا مثلهم، نخوض ونلعب، لا يُشغل بالنا شيء ولا نهتم لشيء، فقط إتباع الخطوات، ثم السير عليها، ثم المزيد من الصبر وسنصبح مثلهم… كأنهم يُعِدون صُنع أكلةٍ ما.

ليرجع أحدهم ويحدث معه ما يحدث ثم يقول: أنها بسبب نظرة أحدهم، فلماذا يحدث لنا هذا؟،.
وما نحن إلا بشرٌ مثلهم، لدينا جوانبِنا الخاصة، وحياتنا الخاصة، التي لا نُظهرها لأحد.

أصبحت الشهرة واقفة على أرقام!، مجرد أعداد تبني حال امرءٍ منهم، كأننا في مزاد كُلما زِدت في مالك، كُلما ربحت، مثلما أقول لكم، هو لهث على شعورهم بالمجد والفخر، وبتسلط الأضواء، وأن الأضواء لا تليق لأحدًا إلا لهم.

لا نُنكر أن هُناك من بُلوجر التواصل الاجتماعي من يُقدم للناس حُسنا، من يُجاهد ويدرس بصدق ليظهر موضوعٍ ما، أو وجهة نظر لها أهمية، أيًا ما اختلفت الدِراسات والمَذاهب فكُلها مُباحة، ما لم تُخالف شرعًا ولا عُرف، حتى وإن كان أمر يصل لنا بُسخرية، -فبعض الأمور حقًا تستحق هذا-.

فيا حال هذا الزمن! يسعى آخرون للحصول على لقمة العيش، وقوت اليوم، يكون راضيًا بحاله، مُقَبِلًا يده ظاهرِها وباطنها، ويحمد الله على خيره، ويقول: رب لم آتَيتني من خيرٍ فقير…
وآخرون لا يسعون لشيء، يحاربون -رغم ثراء حالهم- غيرهم، للوصول إلى قممِ الشُهرة التي تُصاحبها بلا شك كثرة المال، وعندما ترى محتوى ما يقدمونه!، تُسبح الله وتحمده على نعمة الفِكر السليم، والنظرة الصحيحة، والمُعتقد البسيط، والاقتناع بفقر العيش أو رغده.
لله الأمر من قبل ومن بعد، وما على الدنيا إلا السلام…

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!