خواطر

سأبقى

نيرة ياسر

دائمًا ما نرى عادة مشهورة حولنا؛ ألا وهي مداعبة طفل صغير، فنرفعه للهواء ونستقبله بأيدينا وهو مبتسم دون خوف؛ لأنه يعلم أنه يوجد يد ستحتضنه مرة أخرى دون أن يقع.

ودائمًا نرى الأطفال عند صعودهم السلم يتمسكون بيد أحد للإستناد عليه فيصبح الصعود سهل… كنت هذه الطفلة الصغيرة، لكن عندما مر الزمن وجدت الحياة ترفعني للهواء دون يد تستقبلني، أصعد جبل دون أحد ممسك بيدي.

لا أخفي عليكم، لقد أمتعتني في البداية متعة السير وحيدة، وبعد برهة من الزمن وجدت حجارة تنزلق من أمكانها بقمة الجبل على رأسي وكادت أن تقتلني. في كل مرة أنهض مجددًا، كلما استمريت بالصعود وحيدة أشعر بملل الطريق والكثير من التعب، أشعر بأن الوقت لا يمر، أن سعي الوصول ليس ممتعًا.. بل من الواجب؛ فتحول الممتع لواجب وواقع محتوم حتى لا أشعر بالخيبة والخذلان فقط، فلم ولن أعتاد أبدًا على أن أبدو ضعيفة.

وفي منتصف الرحلة والإرهاق والتعب كاد كلٌ منهما يستحوذ على ما تبقى من رصيد طاقتي كنت أفكر هل حين وصولي الجبل والقفز سأجد يد تلحق بي مثلما كنت طفله وأضحك كحينها من كل قلبي؟! وعندما كنت غارقة في التفكير كدت أسقط قبل الوصول لقمة الجبل، فوجدت من جعل من يده عكاز لي مسدت على وجهي ومسحت عن قلبي وروحي غبار الرحلة والمسافة التي قطعتها وحدي وأكملت معي طريقي محتضنة قلبي وكأنه جزء منها، ولأجل كبريائي في البداية كنت أرفضه وأرفض تلك اليد ولكن غلبه الإرادة والتصميم على إكمال رحلته معي.

نجح في تأمين قلبي وطمأنته، حينها نجح في إخماد كبريائي.. نعم فالأمان بالنسبة لي لديه القدرة على التحكم بي إذا غمرني واحتضنني؛ أصبح الطريق مهم به ويستوجبه، أصبح يدي الثالثة وعكازي المستندة عليه وكتف لي وبئر أسراري، جائني كأرض بور وبكل حب زرع الورد بها فجعلها مزدهرة.

اليوم الأول في اللقاء محفوف بمشاعر كثيرة…الخوف،التوتر، الأمان، الحب والارتجاف… كل منا يسمع قلب الآخر وماذا يريد القول، أراد كل منا القول للآخر ستبقي؟! وكأن قلبي يسمعها وقلبه يسمعني فننطق بالإجابة دون سماع السؤال.

لا مفر ولا حل لهذا الطريق وحتمية الوصول سوى البقاء مع كل هذه المشاعر هل سنغادر هذه المشاعر من حب وأمان واطمئنان بعد تعب في العثور عليها؟! وبعد أول لقاء وجدت كلمات انتفض قلبي لأجلها “لقد دق قلبي إليكِ سأكون عونك وسندك دائمًا مهما حاولتي إبعادي كالبداية” فحدثت نفسي كيف سأحاول إبعاده مرة أخرى وأنا الآن الملتصقة بروحه؟!
وبمرور الوقت كان الطريق به أشواك وحجارة تُلقى علينا ولم يكن المرور بها سهل، ولكن التمسك وقوة ما بداخلنا كان أقوى.
جميعنا، مهما نشعر بغرور القوة نحتاج للوصول مع سند وشخص يجعل مرور الوقت خفيف على قلوبنا جميعًا نريد من نستند عليه عند السقوط للنهوض مرة أخرى.

اليوم وأنا بطريقي معه لقمة الجبل وما به من صخور وعقابات ومع بعد المسافات ولكن بقرب القلوب والتصاق الأرواح عدت طفلة لست خائفة من الطريق بانحداره ومزروع بداخلي شغف الوصول.

وهنا تحرك قلمي بناء على تعليمات قلبي ليسطر كلمات محفوفة بعبق الياسمين رسالة مضمونها -من البساطة التي نعشقها أنا وهو- “حتمًا سأبقى.. عزيز قلبي مع خالص شوقي الذي لا يُحتمل، أريدك أن تتيقن بأن خطواتي أصبحت تتخبط دون عكازها الثالث فلا طريق يصلح لي سوى طريقك، السلام عليك وعلى قلبك حتى لقاء آخر قريب محفوف بوعد البقاء”.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!