نقد سينمائي

مسلسل “قصر النيل” عمل فني ضخم لم ينل “الصيت” المناسب لقوته

في إحدى حلقات مسلسل “قصر النيل” سألت عايدة نبيل السيوفي ببراءة تامة عن ولد كانت تعتقد أنه ابنه «هو الولد ده منك؟».
وبعد حلقتان أو ثلاث من المسلسل اكتشفت أن نبيل السيوفي لا يستطيع الإنجاب، وأن عايدة السيوفي على علم بذلك.
فاعتقدت أنني وضعت يدي على خطأ بارز في السيناريو والحوار، وأن عايدة ما كان لها أن تسأل هذا السؤال، وهي تعلم علم اليقين بأن زوجها لا ينجب.

وبطبيعة شخصيتي التي تحاول التركيز في كل جوانب الأحداث السارية بالمسلسل، سحبت مفكرتي وبدأت أدوُّن أول أخطاء المسلسل، وكلي سعادة انني استطعت الإمساك ولو بخطأ واحد في هذا المسلسل العبقري..

ودون حرق لأحداث المسلسل، لم تمضِ حلقات كثيرة حتى تمت معالجة هذا الخطأ داخل المسلسل.

وبالقياس على ذلك كان هناك الكثير من الأحداث التي اعتبرتها في البداية خطأ درامي حتى تمت معالجتها في الوقت المناسب.

وكأن “محمد سليمان عبد المالك” مؤلف العمل، قد أصر على عدم ترك مجالًا للتشكيك في أحداث المسلسل، وقد ضبط “الحبكة الدرامية” كما يقول الكتاب.

فلما رأيت أنه لا جدوى من تدوين الخطأ، قررت تدوين ما يميز مسلسل “قصر النيل” عن غيرها من المسلسلات

لم تكن المرة الأولى التي أشاهد فيها عملًا قويًا من بطولة الفنانة “دينا الشربيني”، فقد شاهدت من قبل “مليكة، زي الشمس، لعبة النسيان”، ولكنها المرة الأولى التي تشارك فيها البطولة مع “صبري فواز”.

فـ “صبري فواز” كممثل لم يخيب رأي جمهوره فيه أبدًا، ووجوده في أي عمل فني يعتبر دليل على جودة ونجاح العمل، فهو من الممثلين القليلين الذين تحب أن تراهم على الشاشة دائمًا.

قد يكون مسلسل “قصر النيل” من المسلسلات التي لم تنل الصيت المناسب في رمضان 2021 وسط زحام المسلسلات، ولكنه سيخلَّد في تاريخ أبطاله كواحد من أقوى الأعمال الدرامية في حياتهم للأسباب الآتية:-

  • آخر مرة شاهدت فيها عمل فني بنفس الفكرة كانت في فيلم “الحفلة”، حيث تم تقسيم الحفلة لعدة مشاهد تكتمل وتترابط ببعضها مع كل سؤال يسأله المحقق لشخص ممن كانوا في الحفلة حتى تكتمل الصورة الكاملة أمامه.
    والبراعة هنا تكمن في إعادة المشاهد من كادرات مختلفة للكاميرا بنفس الشكل ونفس التفاصيل، وهو ما أتقنه القائمين على أعمال المونتاج.
  • جزء من حرفية العمل هو الأشخاص الذين يعملون خلف الكاميرا، وقد كان لمصممي الديكور والملابس دور كبير في إقناع المشاهد بالعصر الذي تدور فيه المسلسل، والفروق الطبقية التي كانت وقتها مازالت محتفظة بطبيعتها في مصر.
  • صوت “محمود البزاوي” الذي لم يتخلى عنه السيناريست في الشخصيتين الذين قاموا بشخصية “ممدوح”، وهي لمسة فنية جديدة صنعت ترابط في الشخصية على الرغم من قيام اثنان من الفنانين بها في عصرين مختلفين، لتجسيد نفس الشخصية.
  • فكرة عدم انتهاء المشهد إلا بمغادرة أحد الأطراف الحاضرة المكان، من الأفكار التي أعتبرها ملفتة للنظر في مسلسل “قصر النيل”، فلم يكن هناك مشهدًا ناقصًا أو غير مكتملًا.
    فجميع المشاهد التي تمت خلال المسلسل كان على أحد الممثلين مغادرة الكاميرا قبل الانتهاء من المشهد.
    ولو انتهى المشهد دون مغادرة أحدهم المكان تاركًا الآخر يفكر مع المشاهد، فعليك معرفة أن المشهد ما زال لم ينتهِ، وأن له بقية.
    تلك الطريقة من شأنها إثارة المشاهد وربطه بالأحداث من ناحية، ومن ناحية أخرى أعطت للمؤلف الحرية في معالجة الخطأ أثناء تنفيذ العمل الدرامي.
  • العامل النفسي للشخصيات واستقبالهم للصدمات وردود أفعالهم مدروسة بعناية فائقة، وكأن المؤلف قد عاش تلك القصة من قبل، ورآها بعينه ولم تكن مجرد فكرة تم سردها على الورق.
    وذلك أعطى للفنانين الفرصة في إبراز موهبتهم الفنية والتركيز على العامل النفسي الذي يتحكم بشكل شخصية، وهو ما تم تنفيذة ببراعة، لينعكس على الشخصيات المجسدة كما يلي:-

١. “دينا الشربيني” جسدت شخصية “المنتقمة” بثبات انفعالي، وبنفس الطريقة التي دربها عليها والدها تمامًا، ولكنها تعلمت من خطأه وقررت أن تتخذ درب “أخدان الحق حرفة”، وهو ما انعكس على الشخصية التي جسدتها في هدوء أعصابها، وذكاءها.

٢. “صبري فواز” جسد شخصية الرجل “المحب للخطط والمؤامرات”، وقد أظهر ذلك ببراعة في استخدامه للعصا التي يمسكها، وتعبيرات وجهه، وطريقة كلامة، فبرز الأمر وكأنه أشبه باستعراض يؤديه من يعتقد أنه الأذكى، وأنه يتحكم في مجريات الأمور.

٣. “ريهام عبد الغفور” جسدت الشخصية “المحبة للتسلط والسيطرة وحب التحكم”، ولم يكن هناك مشهدًا واحدًا بالمسلسل لا يعكس ذلك المضمون في شخصيتها، حتى حين قرروا الحجز على القصر وسلبه منها.

٤. “محمود البزاوي” جسد شخصية “الصامت”، فعلى الرغم من معرفته بكل ما يدور حوله إلا أنه قرر الصمت ليستطيع الحصول على حقوقه التي سلبت منه في الماضي، ولا أخفيكم سرًا، أنا لا أعتقد أن هناك شخص أفضل من “محمود البزاوي” ليجسد تلك الشخصية، شخصية “الشيطان الأخرس”.

٥. “صلاح عبد الله” جسد شخصية “المحامي المستغل”، وبالطبع أداؤه كان ملحوظًا، فهو مدرسة لا يستهان بها في التمثيل، فقد جعل الشخصية التي يجسدها “أسطورة النفاق”، الذي يبحث عن كل الطرق التي ستجعله يحصل في النهاية في حقه في الثروة الضائعة.

الحقيقة أن كل فنان قام بدوره في المسلسل على أكمل وجه، كما أن فريق العمل بالكامل ساعد على إخراج المسلسل بهذا الشكل الإبداعي، لتتحول الفكرة من مجرد قصة مسرودة لعمل فني ضخم من إخراج “خالد مرعي”.

راجعه: شرين وجدي

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!