خواطر

خُلقت رجلًا

✍️ مريم رجب

في كل مرة كان يخذلني فيها العالم، كنت أركض مسرعًا لأنزوي تحت مكتبي أو داخل خزانة ملابسي، لطالما شعرت أن الأماكن الضيقة تحتوي أوجاعنا، وقتها كنت صغيرًا.

وعندما كبرت ظننت أنني تخلصت من هذه العادة، وأن عاداتنا تتغير ولا ترافقنا كما ترافقنا ملامحنا.

ولكني كنت مخطئًا؛ ترافقنا عاداتنا وآلامنا، وخيباتنا حتى عاطفتنا تجاهها ترافقنا.

شعرت بحاجتي لمنزلي القديم منذ وقت طويل لم تطأه قدماي، اشتقت لغرفتي الصغيرة وزاويتي الضيقة تلك، قادتني قدماي إلى هناك، وجدت كل شيء كما تركته منذ أعوام، لم يتغير من الغرفة شيء عداي.

تلك الزاوية الضيقة التي كانت تحتضنني عندما أتألم؛ لم تعد تتسع لي ولآلامي، كبرت وكبر معي كل شيء، دائمًا ما سمعت أن هناك عناقًا قادرًا على منحك حياة جيدة وامتصاص الحزن من قلبك، ولكن لم أستطع حمل آلامي والذهاب إلى أحدهم -حتى لو كان أحدهم قطعة من قلبي- لا أستطيع التعري من صلابتي حتى لو قُتلت وجعًا؛ لذلك فكرت في زاويتي البعيدة تلك.

رجعت أجر أذيال الخيبة والشفقة، أشفقت على حالي، أليس هناك ما يتسع لعناقي؟ ألا أستحق ضمة انتشال من آلامي؟ كنت أريد فقط عناقًا دافئًا، أتوق لأن أفضي بما يؤلمني، خذلني الجميع وغرّهم صمتي.

أنا لست كما أبدو صلبًا، متماسكًا…فقط أنهار من الداخل، رجل كسائر الرجال أعشق وأُهزم، أحتاج وأشتاق، أتألم وأحزن، ولكن يمنعني كبريائي من البوح بذلك، أبدو ثابتًا صلدًا وقلبي رخو يشتاق لكلمات تخفف من حدة حزني الذي أخفيه، وهذا ما يوغر قلبي حقدًا على شرقيتي التي أحملها قسرًا.

ولكن من ذا الذي صب على الرجال جم غضبه وألصق بهم الشدة عنوة وسلب منا رفاهية الانهيار؟

لم علي أن أبدو صامدًا أمام من أحب؟ يتكئ علي الجميع ولا يحق لي أن أميل؟

أين أذهب بهشاشتي تلك وأنا لا أملك حتى عناقًا زائفًا؟

علّني أستطيع أن أميل بقلبي وأتكئ، ليتني أستطيع التصريح بضعفي كي أشفي، علينا أحيانًا أن نضعف حتى نستطيع الاستمرار.

كم هو مؤلم أن يظنك الجميع بخير بينما تود أنت الصراخ وتتلهف ليد عابرة تمتد لتمنحك قسطًا من الطمأنينة، وترغب لو نخرت الحصن الآمن بداخلك وعلمت أوجاعك دون أن تنبس ببنت شفة.

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!