خواطر

التنمر

هاجر بلعربي

كنت في أدنى درجات تقبل الذات أثناء سماعي لهمساتهم حول مظهري، نظارتي الطبية، جسمي الضعيف، شحوب بشرتي تلك، كانت الأيام تتسابق وكلماتهم عالقة لا تختفي، انقضت سنوات من حياتي ولا زلت أحاول عيشها بأمان بعيدًا عن كلماتهم اللاذعة، ابتسامتي الباهتة التي تخفي ما لا يمكن البوح به في هذا المجتمع المنتقد أمدتني بقليل من الأمل، على الأقل حتى أحقق جزءًا بسيطًا من طموحاتي، حتى أركض نحو أحلامي وأنتشل بقايا كلماتهم من عقلي، لعلي أغدو أكثر ثقة رغم استماعي لهمسهم، قد لا يدرك أحد حجم الخراب الذي تخلفه كلماته في قلبٍ حائرٍ، قلبٌ يقاوم لينبض بالأمل.

كانت دقات قلبي تتدافع كلما رأيت أحدهم يقترب، غلفت الدموع عيني وأبت فراقها، ظل بصري معلقًا على خطواتي المترددة نحو من تقتلني كلماته، كان ذاك الشخص في كل مكان أذهب إليه، كان جزءًا من أسرتي الصغيرة، عائلتي الكبيرة، مدرستي، زملائي، أساتذتي، مدينتي.

بلا قصد منّي كنت أجعل نفسي الضحية لهم، كنت أنصت لكلماتهم وأحاول جعلها حافزًا يمدني بالشجاعة كي أسعى نحو هدفي، لكن الكمال فخ يهوى فيه الضعفاء، من يسعون ليثبتوا للجميع أنهم يستطيعون رغم أن هذا غير ممكن، كنت واحدة منهم.

قاومت لأقف مجددًا، بنيت أحلامي من شتات قلبي لأمضي في طريق نجاحي الذي تمنيته، ليقف العالم في وجهي مرةً أخرى، محدثًا تلك البرودة بين أضلعي، حاولت جاهدة تجاهل الكلمات الموجعة مرارًا وتكرارًا ولكن ألامي لم تختفي.

لطالما كان هذا الإنطفاء تدريجيًّا ولكنه الآن يزداد داخلي حد الإختناق، لم يعد بمقدوري شرح ما يجول داخل قلبي، إن مشاعري البريئة تتجه نحو الزوال، ليحلَّ مكانها الألم والنفور من الجميع، لم أعد أسعى للَّمعان في مستقبلي المجهول، أنا فقط أتمنى الوصول إليه بأقل عدد من الخسائر المعنوية، أحاطت كلماتهم بي حتى كدت أخسر شعلة الشغف التي تضيء حاضري، أملي الذي يجعلني أستيقظ كل صباح يومٍ جديد تكسوه البرودة، لم يعد بمقدوري حتى الكتابة عن الأمل، كان مزاحهم القاتل السبب، ومن بعده لم أعد سوى جسد فارغ من كل صفات الحياة.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!