ابداعات

نقطة وضوح

هدير منصور

همس تلك الليلة في نفسه يردد: أنا أحبها حقًا ولكنني أشعر أن حديثها ورائه ألف معنى.

تُثلج صدري بكلماتها ولكن تسلسل أحرفها يعيق شيء ما بداخلي لا أستطيع فهمه، تداعب عباراتها صدري برفق ولكنها تثبُ عليه وتعيقه عن تنفس الحقيقة الواضحة حتى وإن اخترقتني ذرات هوائها بسرعة وقوة.

حين تتحدث تزلزلني بشدة وتخطف ناظري بعيدًا وتشرد ذهني حتى أكاد أجن مما أتوهم وأظن، وينتهي بي الأمر كمملوك تائه يرجو عفو سيده الغامض البرئ، أستمع لهاتف صرخات تهتف في رأسي آلاف المرات وأعنف نفسي وأوبخها وأؤدبها، ولربما قسوت عليها ذات ليلة وأشتعلت عيناي غضبًا أمام هدوئها وتماسكها.

ومن ثم يعجب أحدكم من هشاشة روحه وصلابتها، من قساوة نفسه وليونتها، ويتساءل مرات عدة في الليلة الواحدة، أهذا قلبي؟ أم غلاف شكلته تقلبات الأحداث والليالي ومرور الأشخاص بحياتي.

ألم تسأل نفسك يومًا لماذا الأبيض والأسود أي منهما خيار رائع بينما الرمادي لايفضله الكثير؟
لماذا نعشق الوضوح يمينًا كان أم يسارًا ونكره المحاورات والمناقشات التي هي دون جدوى؟
لماذا يفضل أحدنا أن يسلك طريقًا مختصرًا في قيادة مركبته ليصل سريعًا لوجهته حتى وإن كان غير مرصوف؟
لماذا لايقود من طريق سريع ولكن أطول قليلًا؟
هل سألت نفسك ذات يوم لماذا وُضع مبدأ الاختصار ؟
ومالفائدة من ذلك فكلنا على تمام المعرفةٍ أنه إذا كان الشيء كاملًا أصبح أعم وأشمل؟
إذن لماذا؟
لماذا يفضل الأغلبية العظمى السفر على خط طيران واحد من موقعه الحالي إلى وجهته المقصودة ولايفضل المرور بدولة أخرى وصولًا لها؟
لماذا يميل الكثير منا إلى وسائل التواصل الإجتماعي دونًا عمن حوله لمعرفه إجابة تساؤل ما على وجه السرعة، حتى وإن استغرق الأمر مئات الدقائق للبحث عن مصدر موثوق؟
لماذا نريد مقابلة المدير مرة واحدة في حال حدث تصرف أزعجنا في مكان نرتاحه ونعتاده؟
ولماذا يبحث الموظف عن عمل بالقرب من منزله ولربما قلت أجرته وضَعُفت؟

يا عزيزي هذا ما نتحدث عنه إنه الوضوح، أن تكون واضحًا صريحًا خير لك من أن تتشكل وتتلون وترهق مَن أمامك بمسافات طائلة للوصول في نهاية الأمر لنفس الهدف.

إذا جمعت الرقم واحد مع مثيله أصبحا اثنان وليس ثلاثة، يا عزيزي المنزل هو منزل والسوق يظل سوقًا والقلب لن يعمل عمل الرئة مهما بلغ من قوة ومكانة والجدار لن يتحول لأريكة بالضغط عليه!

أنت هو أنت، مهما أطالت الحرباء في تغيير لونها لتتناسق مع ماحولها ستظل حرباء، لن تستطيع الصمود وقت أطول كشخص اآخر.
إذن تيقن الأن، راحتك في وضوحك.

زجاج سيارتك قد يعكر مزاج يومك إن كان ملطخًا بالبصمات، فبصمة يدك تميزك وتكفيك، في حين أنه قد ترتفع نغمات دندنتك لموسيقى عذباء وأنت تقود مركبتك بنفس الزجاج ولكن الفارق هذه المرة أنه نظيف ومرتب تستطيع الرؤية من خلاله.
فطريق واحد مباشر للمنزل خير من ألف طريق لتصل لنفس ذات المنزل.

ياعزيزي اختَر إحدى اللونان، أيهما اخترت فليس عليك من حرج ولكن لا تقف في المنتصف.

المنتصف مميت، كشغف مشتعل أُلقي صريعًا بسبب حديث لم يكتمل، انتظار قرار رفض أو قبول وظيفة اعتصرت شوقًا لتحصل عليها، وحيرتك لعلاقة لم تنتهِ ولم تنقطع بعد، لون رمادي يكسو منزل مهجور لم يُهدم ولم يُسكن ويستقر به أحدهم، كترقُب نتيجة بين نجاح ورسوب، وتحليل طبي بين إيجابي وسلبي، كتوقف القطار في محطة عابرة قبل وجهتك لصعود بعض الركاب الذين سئموا الانتظار.

ففي نهاية الأمر الجميع مهما عشق تفاصيل الرحلة حتمًا يريد الوصول.

لاتتلون وترهق ذاتك وفطرتك فأنت ستصل لوجهة ما، حتى وإن اختلفت الطرق.

فلترح قلبك وعقلك وكفى تمثيلًا ولتنزع تلك الأقنعة التي كادت أن تطمس معالمك وتنهي كيانك وتذكر دومًا كن واضحًا صريحًا تصل لقلوب أولئك الصادقون حقًا.

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!