ابداعات

مشهد الختام

بماذا أخدمك يا آنستي؟
قطع صوت النادل خلوتي مع البحر؛ ليأخذ طلبي، هنا كان أول لقاء جمعنا، لربما لم تتوقع أبدًا أن تصحبني قدماي للمكان الذي حفر داخل قلبي أُولى ندباته، هنا أخبرتني بأن: ألم الحب الأول هو الأقوى على الإطلاق، كاندفاع مئات الرصاصات نحو قلبك، وأنت مجبر على السير، هنا حيث كنت أنت أول من أشهر سلاحه صوب قلبي؛ ليتركني خلفه غارقة ببركة من الخذلان.

صحبتني قدماي لهنا؛ كي أخطو بكل أنوثة، واعتزاز بقدمي ذات الكعب المدبب على جراح قلبي؛ لتتلاءم، أنظر لوجوه الجالسين من حولي، وأُمعن النظر بملامحهم التي تحمل الكثير من الحكايات، التي ظلت معلقة برؤسهم كالأشباح تطاردهم أينما كانوا، حتى حين يقتربون من البحر عله يسحب تلك الأفكار بمده، و جذره مره؛ ليعودوا فارغين من الألم، وأنظر لانعكاس ثغري الباسم على كوب القهوة التي وضعها النادل لتوه، ولكنها باردة كما قلبي، ومع ذلك أشكره بهدوء؛ لأني أعلم كم يمكن أن يعاني كلًا منا، ويجر نفسه على الصمود، أنظر لانعكاسي مرة أخرى؛ لأعلم كم أمقت الشفقة؛ فرغم ابتسام ثغري تصرخ عيناي بما يكنه قلبي، ولهذا تحديدًا جئت لهذا المكان؛ لكي تكف عيوني عن الصراخ فلا يمكن للإنسان أن يقتل مرتين.

إنها الآن الخامسة إلا ربع من يوم السبت الموافق الثاني والعشرين من يونيو، كان لقاءنا الأول بيوليو… أعلم، ولكننا الآن في عام جديد أبدأه بدون وعودك الزائفة.

أنظر للموج أمامي، وللحق أعترف أنه لأول مرة أشعر أن كل هذا المدى يخنقني… كل هذا الهواء، وتلك الأمواج العالية تزيد من الضغط على رأسي، ولكني أعلم إنها بالنهاية ستكون مجرد ذكرى أتذكرها؛ وأضحك، لا أتذكرها وأضحك، بينما تبكي أنت.

أقسم لك بأن أملي لم ينقطع رغم غضبي من كل شيء مضى بَعدك، وبسببك، إن داخلي حدث قوي إن افتراقنا بل انفصالي عنك لا يمكن أن يكون بتلك السلاسة؛ فكما كان احتضان قلبينا مستحيل كاحتضان الطيران، والجاذبية أو اقتران الشمس بالقمر.

أقسم لك الآن، وأنا أعي أنما حملته لك لا يجوز وصفه حبًا، وأنك لم تقترب مني كفاية؛ ليكون كرهًا، إني أتخطاك في كل لحظة لأصطدم بك من جديد، ولهذا لن أكف أبدًا عن محاولة استردادك؛ لألفظك كما تستحق، وللحق أندهش من تمسكي هذا؟!
فأنا لم أعتد التمسك بالأشياء، عودت نفسي على حلاوة التخطئ؛ حتى أحب الأشياء لقلبي تخطيتُها.

أكتب تلك الكلمات؛ لأن هنا كان مشهد البداية، بالتحديد على ذلك السلم المزين بالزهور الوردية الخلابة الذي ينتهي بمقعدين قصيرين يتخللان رمال الشاطئ، وتداعب أرجلهما الأمواج، وصوتك الهادئ الرخيم في الخلفية يؤكد بأن الخطوة الأولى ينبغي أن تكون ليَّ، مشيرًا بوقاحة صياد يملس على جلد غزال صغير أن السيدات أولًا حتى في الحب، كل هذا المشهد المهيب سحر قلبي العذري بل الأحمق، كل هذه الومضات التي تهاجم عقلي الآن سأتركها، وأنا على آخر درجات هذا السلم.

ولكني لن أتركك قبل أن أضع مشهد الختام، سأترك فقط ما وهبتني من ضعف؛ فأنا والضعف لا نجتمعان، وإن اجتمعنا؛ أقتله، سأتخطاك، وأقسم لك أنك لن تجرأ حتى على أن تحاول، أقسم لك بكم الفجيعة التي أصابتني حين خرجت رصاصتك؛ لتخترق قلبي الذي كان سينبض لك، أقسم لك بكل شعور مررت به لا أستطيع جمعه بكلمات، وبقدر ما صمدت على ذلك كله، وبقدر ما احتجت لك رغم سخطي من فعلتك، أنك لن تجرأ حتى على ادعاء نسياني، سأكون أنا حلم يقظتك، ولن تجرأ على الاقتراب مني.

أنا عرفتك؛ لا تمتلك جرأة المواجهة، ولهذا سأكون رحيمة؛ وأجعلك تكتفي بمشاهدتك ليَّ في خانة الكومبارس، في قصة كان من المفترض أن تكون بطلها، هذا آخر ما تطمح إليه من عطفي.

أتدري… أضحك من نظراتك التي تلامسني عبر كل ما يفصلنا، من قدرتي على الالتزام بالوعود التي أمليتها عليَّ بلقاءنا الأخير، مدعيًا أنك تحميني بها من نفسك، وأنت ذاتك من بدأت من التملص منها، وكأنها أغلال تقيدك، أكنت تعتقد أنك حينما تأمرني بالرحيل سأقترب أكثر؟ أكنت تحسب أن الوقت الذي تمضيه بعيدًا عني بعدما كنت عُزلتي عن العالم يضع يده فى يدك ضدي؟! كم ظلمك غرورك وكم ظلمت نفسك بيديك.

لا يسعني نكران أني لا ألحظ اضطراب خطواتك تجاهي الآن، وانتفاضة قلبي كلما حملت الرياح عطرك إليَّ، وعلى الرغم من نفوري من هذا الشعور إلا أنني لن أنكره أو أدعي غيره؛ أنا مثل الأمواج تظهر ما بها، ولكن يطربنى إخبارك: بأنك لم تقترب مني منزلة كافية؛ لتعكيري، أنا كل ما طمحت له، ولم تجرك قدماك، ولا نفسك؛ لإمساكه.

أنا البرهان لجبنك من الاقتراب، أنا البرهان الوحيد الذي ذج بك؛ لمواجهة نفسك، أنا المرأة التي ألقيت أمامها كلماتي مدعيًا أنها تخصك، أنا من تركت، وأترك، وسأترك دائمًا أثري بك، أنا الندم الذي تدعي عدم اقترابه منك، أنا كل هذا، وأكثر، وأنت نقطة لسطر لم يكتمل في حياتي.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!