خواطر

حنين

✍️مريم رجب

علمت أننا بالبعد لا ننسى وبالقرب لا ندرك، دائمًا ما كنت ساخطًا رافضًا له، وطن أقحمني بعادات وتقاليد وقيود لا يمكنني تخطيها ولا خيار لي في ذلك.

تمردت على ذلك المكان الذي كان يشد قبضته عليّ وقاومت كي أتخلص منه، رحلت عنه وأنا أبلغ من النشوة عنان السماء، رحلت باحثًا عن ذاتي التي ظننت أني ملاقيها في بلد آخر، كنت أحسب أني قد أستطيع خلق وطنٍ جديدٍ غير الذي تمردت عليه الذي كنت أنظر له على أنه عائق لدي”تبًا لك من بين الأوطان لا وطنًا عرفت أن تكون ولا منفى”.

شعرت بأني بلغت منالي في مستهل أيامي هناك، ولكن مع الوقت بدأت أشتاق بدأت أشعر بالفقد، وشعرت بالاحتياج، وبدأ قلبي يحن قبل أن تعلمه الغربة القسوة والجحود، فاشتقت لوطن تركته فارًا منه، عدت بذاكرتي لقلبٍ أحبني، لوعود قطعتها بالعودة وأنا أعلم بأن الوفاء لن يعرف طريق أي منها، وقفت أمام دموع ووعد بالانتظار أحببته وأشبع غروري رغم يقيني بعدم الرجوع.

تركت قلبًا أحببته وأحبني ولكن حب الأنا تملكني ونظرت صوب ما أردت ولم أعر دموعها اهتمام، ظننت أنني سأتجاوزها وأمضي كأن شيئًا لم يكن، كم آثمت، لقد فررت هاربًا آثمًا ويداي ملطخة بدموع مسحتها وأنا أقسم بأن أعود، ولكن رائحة الكذب كانت تفوح مني، ليتني صدِقت أقلها.

شتان بين مرارة القسوة من وطنٍ يلفظني رغم رغبتي به، ووطنًا آخر احتضنني رغم زهدي فيه وسخطي عليه، وطنٌ ضن علي بالقليل وهو يملك الكثير، ووطنٌ لا يملك الكثير ولم يضن عليّ منه، علمت معنى الغربة وأدركت معنى الوطن.

شعرت بالوحدة والعزلة، انتهت المتعة، وانقضت أيام السعادة، وأتت الغربة والوحدة التي تقهر قلوب الرجال باسطًة ذراعيها ترحب بي أنا الذي أتيت لها راغبًا فيها، نهشتني ونالت من قلبي ومزقته، وعاثت في روحي خرابًا، ووجدت نفسي تائهًا وحيدًا لا أجد من أنتقل برفاتي إليه في أشد لحظات ضعفي وأوقات انكساري، ففعلت ما فعلته الوحدة بقلبي، وعلمت أن ما تركت وطني فارًا منه من عادات وقيود لم يكن أشد ألمًا مما عانيته من قسوة ووحدة ورفض في وطنًا متحرر بحثت عنه طويلًا؛ فعزمت على أن أعود حتى وهزيمتي تصاحبني، وخيانتي وغدري تلازمني، فأن أعود متأخرًا خير من أن لا أعود أبدًا.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!