فننقد سينمائي

العارف.. عندما يصنع الدور نجمًا

من الطبيعي أن نقول عندما نشاهد لفنان دورًا جديدًا أنه قد أدى الدور ببراعة، وتلك هي عادة السينما فالفنان دائمًا هو ما يعطي للدور الأهمية.

في فيلم العارف قد انقلبت الآية وأصبح الدور هو ما يضع الفنان في الشخصية، بل وخلق من الفنانين شخصيات جديده لم نراها على شاشة السينما بهذا الشكل من قبل ومن ضمنهم “أحمد فهمي، كارمن بصيبص

كلاهما كانا وجوه جديدة على الشاشة لأول مرة، ولم نراهم بهذا الشكل في أي أعمال سابقة من قبل.

لطالما كان “أحمد فهمي” موضوعًا في إطار الكوميديا، بعيدًا عن كونه شخصية مسالمة لا تحاول إصابة أي شخص مهما كان بالأذى في جميع أدواره السابقة.
ولأول مرة يتدلى لنا “أحمد فهمي” من سماء الكوميديا ليهبط الى أرض الشر، ويصنع منه الدور شخصية شريرة تتسم بالقوة والدهاء والشراسة مع القليل من خفة الدم، والتي استطاعت عكس قدرته على انجاز الأدوار المختلفة ببراعة تامة.

أما “كارمن بصيبص” فقد اتسمت أدوارها بالأرستقراطية والهدوء والرقة كما شاهدناها من قبل في “الزئبق، ليالي أوجيني”، بالإضافة لكون وجه “كارمن” وجه ملائكي لا يحمل أي عنف في ملامحه.
ولكن في هذا الفيلم قد أصابتها لعنة “العارف” وأصبحت تطارد وتقاتل وتقتل وتخترق حسابات وأجهزة وشبكات، وهو على عكس المتوقع لشخصياتها التي أدتها من قبل.

باختصار “العارف” قد صنع أزياء جديدة لهؤلاء الفنانين بالأخص، وفتح لهم أفاق جديدة في استغلالهم في أدوار يمكنهم تأديتها بشكل أقوى مما كانوا عليه، ناهيك عن “مصطفى خاطر” الذي لا ينفك يصنع إيفيهات غير مبتذلة بشكل عفوي داخل الدور، حتى ولو كان منتهى الأكشن، كأي مصري أصيل يصنع من كبوته نكتة.

أيضًا “العارف” فتح باب المنافسة على لقب “أبو الشباب” من بعد الراحل “حسن حسني”، وأصبح كل من “صلاح عبد الله، سيد رجب، محمود حميدة” يتنافسون على اللقب بضراوة.

وبه يمكننا القول «عودًا حميدًا مجيدًا لـ “أحمد عز”»، فالفيلم يتسم بالإثارة والغموض ويجعلك تتحرك مع توالي أحداثه بتركيز تام حتى لا تهرب منك التفاصيل كأيام أحمد عز الأولى في بوابة السينما المصرية والتي شاهدناها في “الشبح، مسجون ترانزيت، الحفلة، بدل فاقد”.

ويجب الإشارة إلى أن السيناريو والحوار غاية في الروعة ولم يكن مملًا، بل واتسم بالروح المرحة بين الفنانين على الرغم من خشونة الإحداث، كما أن هناك جمل رنانة قد تتذكرها لأيام بعد مشاهدتك للفيلم، أستطيع أن أذكر منها جملة “أحمد فهمي” عندما استطاع الإمساك بأحمد عز عندما قال له «انت يا جدع انت ازاي متشكرنيش إني حطيتلك طفاية الحريق جنب السي فور».

ولكن ما زالت السينما المصرية تتمسك بتفاخر المجرم بنفسه عند الإمساك بعدوه ومماطلته في قتله حتى يستطيع الشخص الممسوك الهرب، وقد استخدمها المؤلف مرتان خلال الفيلم، وهو ما أفقد الفيلم منطقيته، فكيف لمجرم يريد التخلص من عدوه أن يماطل كل هذه المماطلة قبل قتله، حتى يستطيع الآخر الإفلات من أمرة المحتوم.

أعلم أن الأكشن وخط الأحداث يلزم المؤلف بالقيام بمثل تلك المناوشات، ولكني أعتقد أنها استخفاف بعقلية المشاهد الذي يكون مطلوب منه الاستسلام للأمر الواقع الذي لن يقع لو حدث هذا الأمر في الواقع.

العارف “فكرة جديدة، أدوار جديدة، أداء جديد” وهو نقطة تحول في السينما المصرية، لان الدور لأول مرة في تاريخه يصنع نجمًا وليس العكس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!