بقلم: هاجر متولي
ما أعذب الرشفة الأولى من كل شيء، ما أنقى لحظات الالتقاء التي لم يمهد لها، ولا يكون لها غاية، وما أحوجنا في هذه الأيام إلى صدق الأحساس، والكلمات، وكأننا فقدنا أثر الرشفة الأولى منها.
كنا في وقتٍ سابق، نهرول نحو الأيام الآتية، كنا نريدها أن تسرع، أن تنطوي… كان هدفنا أن تسير الأيام بسرعة أكبر؛ حتى نحقق ما نعجز عن فعله ونحن صغار.
أما الآن، وربما في الأيام القادمة أيضًا نريد أن نُهدّء السرعة، أن نتأمل، أن نُقارن، لكن الأيام لا تترك لنا الفرصة أو المجال لتحقيق ذلك، كنا نركض من أجل ماذا؟ والآن نحاول ان نبطء، من أجل ماذا أيضًا؟
إن أبلغ درجات الدهشة في وسط هذا العالم التنكري الذي نعيش فيه خلال تلك الأيام، هو أن تقابل إنسانًا حقيقيًا، يصدقك مشاعره وكلماته، لا يحاول إبهارك، بل يفعل ما يراه مناسبًا لثفاقته وتربيته، حينها فقط ستجد شكلًا آخر لتلك الحياة.
لم تسمح لنا الحياة بالتوازن؛ فما تعطيه لنا تأخذه بقوة، وهذا يشكل تأثيرًا واضحًا في سماتنا، منا من يتعايش، ومنا من ينغرس في محاربة الحياة والناس.
أصبحنا أشباه إناس، وتغيرت نفوسنا واصبحنا مسخًا لإناس، وعلى الرغم من أن الحياة أعطت لنا جميعًا نفس المقدار، فهناك من يبقى مستسلمًا للقاع، وهناك من يرتقى بذاته لأعلى الجنان.
ليس بإمكاننا أن نهجر كل ما يؤلمننا، لكننا نستطيع أن نتجاهل ونتغافل عن الكثير من الأشياء المؤذية، لنواصل الحياة بقدر أقل من الألام، فجميع الدروب التي نسلكها وإن كانت مؤذية فهي لا تكون إلا رسائل تعيدنا لأصل ذواتنا، وتعطي لغيرنا دروسًا عن الحياة.
ندوبنا الواضحة لم تكن سُبة أو لعنة، بل ما كانت إلا أثباتًا أننا أقوى ممن حاول إذيتُنا، فلا تسمح لغيرك أن يُؤثرك لعاصفته، أجذبه إنت لهدوئك حتى لا يُؤثرك بجهل منه.
اصفح عن الآخرين، ولكن لا تنسى أثر ما تركوه بك، ليس قسوةً منك، بل تذكيرًا لك بأثر ألمه وخطره عليك، الصفح يهدأ النفس ويزيل أثر ما ترك بالقلب، ولكنه في نفس الآن يغير وجهات النظر، بينما النسيان يُفقدك الدرس، فلا تنسى ما جعلك تقع أثيرًا لما فيه هلاكك.
إن المهرب وهم، جميعنا يعلم أننا نحمل أنفسنا معنا أينما ذهبنا، ولكن المواجهة والتقبل حل أسمى لألم مؤقت، ودراية كاملة لطبيعة الحياة.
