خواطر

امرأة في ورطة

بقلم: هاجر متولي

دائمًا ما كان يراودها تساؤلا لا ينقطع، هل يفقد الإنسان نفسه حين يفقد شغفه بالحياة، أم أنّه تعبير بلاغي عن الخسارة فقط؟

أعتقد أنه لا يفقد الإنسان نفسه بالمعنى الحرفي، بل يفقد سعادته، يفقد قدرته على الضحك أو البكاء، يفقد السكينة والأنس، ولو أُحيطَ بأهلِ الأرض جميعهم، فيُهيَّأ له أنّه فقد نفسه في حين أنّه فقد من كان يجعله يشعر أنّه يستطيع أن يكون نفسه دون أي مشقة.

وكأننا على قيد الانتظار في عالمنا هذا، ننتظر أياما تمضي بلا جدوى، ننتظر سعادة تعيد لنا ما فقدته نفوسنا، ننتظر ليلة تزيل ما في قلوبنا من غصة، ننتظر نهاية من ليالي الخوف اللا متناهية.

وكأننا كشجرة اجتذت من جذورها، ضاعت حياتنا في محاولة للنجاة من صراعاتها، ولم يعد لنا رغبة بالحياة، وكأننا في عالم لا نألفه ولا يألفنا.

ونحاول ترتيب تلك الفوضى، لكن القلب له ترتيب آخر؛ ما حدث قبل عشرين سنة أحياناً يبدو لي وكأنَّه حدث بالأمس، وما حدث قبل سنتين يبدو كأنه حدث قبل عشرين سنة، وبتكرار مخيف…

القلب يرتب أثاثه حسب مدى أهميَّة أي حدث بالنسبة إليه، ضاربًا بعرض الحائط كل نظام الزمن السائد أو الذي يجب أن يسود.

تخيل أيامًا لا تلتفت فيها للآخرين، وتستطيع فيها أن تغرق في تحقيق أحلامك القديمة، و أن تُرتب الداخل المبعثر،
تخيّل أيامًا تقضيها معك، ولا تُركز فيها على أخطاء الآخرين أو عيوبهم، و لا تتابع فيها أخبار العالم أو أحداثه، تكون أيامًا بالغة في البساطة، وقصةً أنتَ بطلها، أليست تلك فكرة مدهشة؟

وتجدنا مع الأيام نهرم قبل سابق أواننا، ومازلنا نلملم أحزان قلوبنا وكل هزائمنا وخيباتنا حتى صرنا مسلوبي الإرادة، جسدًا بلا روح، نكاد ننتمى لعالم الأموات، ولا نشعر بمن حولنا؛ فقدنا الإحساس بكل شيء، ما عدنا نشعر بأحد ولا أحد يشعر بوجودنا.

وكأنها تتحدث عن حالها بلسان حال العالم أجمع، وكأنها بما قصته عليهم شعرت بأنها في ورطة، ورطة التعايش والتقبل مع تلك الحياة، ومنها حاولت جاهدة أن تخفف عنها وعن غيرها عبء الحياة فسردت كلماتها لذلك.

وإذ بها تقول من باب النجاة: حذار أن يسرق العالم الطفل الذي بداخلك؛ هذا الطفل سترة نجاتك من ضجر الأيام، لقد جفت جذوري وتشققت الأرض من حولي، حتى ظننت أني هالكة لا محالة، فإذ بنقطة ماء تسقط علي جذعي فينبت ويخضر من جديد، وإذ بي أستطيع أن أحتضن نفسي وكأني معافة تمامًا.

علمت أن الأوراق الهاربة ستعود مرة أخرى، كعودة العاصي إلى رحمة ربه، و سيظل ربي يرسل المدد حين يتبدد الأمل.

إن أعظم إنجازٍ يمكنك تحقيقه هو أن تصبح نفسك في عالمٍ يحاول باستمرار أن يجعلك شيئًا آخر، فإن كان الناس يتغيرون مع الأيام في بعض الأوقات، فاستند حينها على ذكريات الماضي، تذكّر الأيام الجميلة من الماضي، فإنّ الأيام القاسية يصبح لها جمالٌ من نوع خاص.

حتى الصعوبات التي تعايشت معها ستتحول في الذاكرة إلى بطولة غامضة، وأنت نفسك سيصعب عليك تصديق أنك صمدت وتحملت ذلك،
لا، واستكملت وكأن لم يكن بك أي خدش من تلك الحياة.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *