مقالات

لعبة الانعزال

ندَّعي أحيانًا أننا في حاجة إلى وقتٍ لأنفسنا، للتأمل مع ذواتنا، وللاعتناء بصحتنا النفسية، والحفاظ على مساحتنا الشخصية، ولكن الحقيقة أننا “نختبر بانعزالنا قيمتنا لدى الآخرين”.

عندما لا نمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة أنفسنا أننا في خلل عدم استطاعتنا التفكير في حيواتنا الخاصة أكثر من تعليق حبل راحتنا على مهاتفة الآخرين لنا، أو رضاهم في آرائهم عنا، أو حتى قبضة صدورنا عندما نتذكَّر أن أحدهم خاض يومه بدون ذكرنا على خريطة هذا اليوم..

عندما نرفض إدراك أننا لا نستطيع أن نُخبِر أحدهم أنه سبَّب لنا ألمًا ما في موقفٍ ما بيننا؛ فنلجأ للاختفاء عن نُصُب عينه، ومحل تواصلنا معه يومين ثلاثة بحجة أننا في حاجة إلى الخلوة بأنفسنا وضبط نظام حيواتنا، والحقيقة أننا نريد أن نُعلِمه بغيابنا، ونختبر مكانتنا عنده، والفارق في يومه من دوننا، ولا نُفكِّر أصلًا أكان هو يعتبرنا فارِق أم مجرد وجود لطيف؟

“أعتقد هنا أن لعبة الانعزال يمكن أن تكون نوع من استجلاب التقدير الزائد للنفس، الذي ربما يصير مع مرور الوقت “أنا”؛ لأن لعبة الانعزال إذا كانت مجرد حيلة لنُعلِم عزيزٍ ما على قلوبنا بغيابنا ونختبر صبره على فراقنا فهي حيلة لطيفة، مُستجلِبة للود، لكن عندما يتحول الأمر إلى استجلاب افتقاد الجميع لنا، واستجداء سؤالهم علينا وتقديرهم الدائم لنا فهنا الخطورة في اللعبة..

هنا تحكمَت الأنا، وزاد العَشَم، وتوَحَد الهدف وهو “أننا نريد أن نرى أننا مُهمين في عين الكل، والكل يعترف بتأثيرنا، والكل يمدح في وجودنا، ومكانتنا، وإنسانياتنا، ومجال عملنا، بل يشهد بكل ما نحتاج أن نسمعه من كامِل الصفات والقُدرات في أنفسنا” إنها العلة…

لعبة الانعزال، و عدم إثبات الذات:

ربما أنا غير قادر على إثبات ذاتي في جانب ما من جوانب حياتي(مهني، عائلي، عاطفي، إلخ…)، وأنا على دراية أنني كُفء لإثبات ذاتي في هذا الجانب ولكنها الظروف، لكنه القدر..

ولكن الواقع أني حاليًا غير قادر على هذا الإثبات، لكن على الرُغم من ذلك أرى نفسي في مكانة عالية جدًا في عين نفسي، أريد أن يراني بها مَن حولي، ولكن لأن المجتمع لا يعترف إلا بمن وَصَل وحقَقَ، فلن يراني أحد بما أود أن يراني به، فمع كل موقف يمضي لي مع شخص أعتبرته قريب مني، أو حتى أشعر ببعض الارتياح معه، أو بيننا نوع من الود يقرُب للصداقة بعض الشيء وهو لا يعطيني قيمتي التي أعرفها في نفسي وأريدها منه.

يتوطن بداخلي شعور حزن منه أو أتخذ منه موقف كما لو كان ألمني، أو أخطأ بحقي وهو لايدرك أصلًا ما أفعله؛ ومع الوقت أشعر أن حتى ما ارتاحت له روحي بعض الشيء، ورأيته متفق بعض الاتفاقات معي في رؤيتي الحياتية وآرائي، لا يشعر بقيمتي، ولا يُقدِّر ما أقدره في نفسي، فأتمادى في اتخاذ موقف منه، وألعب معه لعبة الانعزال كي يشعر بقيمتي، ويعطيها لي، وهذا لن يحدُث أبدًا.

الحل هنا أنه: قبل انعزالنا بذواتنا انعزال إيجابي فيه ترتيب لحيواتنا، أو إعادة تأهيل لنا ولبرامج معايشنا؛ هو أن نجلس جلسة مع النفس نسألها فيها ما إذا كان الانعزال هذا حقيقة أم لعبة؟

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!