همسه

العدو الخفي

الحقيقة أنني لم أكن أقرأ مقالات من قبل لكن هذه المرة وقع بصري على هذا العنوان “العدو الخفي” ولشدة ما رأيته من معاناة الرجل التسعيني فقد عمدت إلى مراجعة الكاتب كي أعرف عنوانه وذهبت إليه. 

هذا العجوز البسيط ميسور الحال لكنه يتحدى قوانين الزمن، لا تظهر تجاعيد كثيرة على وجهه، رحب بي بحرارة وكأنه وجد صديقًا قديمًا رغم أنه أول مرة يراني فيها، جلست إليه فإذا به يرسم وردة ذابلة الأوراق على مزهرية يعلوها بعض الغبار، تساءلت في نفسي هل حقًا أنا في حلم؟، بحثت بعيني عن ذلك الحائط الذي أشار إليه في كتاباته حتى وجدته، هناك العديد من الصور المتراصة بشكل تنظيمي رائع لكن هناك ركنًا فارغًا ربما هو الركن الذي ستقبع به صورته بعد مماته. 

بجانبه سبرتاية صغيرة وبعض الأكواب وسكر وشاي أخبرني أنه سوف يعُد لي أجمل كوب من الشاي في حياتي، رأى ما رأيت من تفاصيل حلم من الأحلام شديدة التعقيد، هذا رجل فقد كل أحباؤه ويعيش مع ذكراهم فقط، لا أعتقد أنني سأتحمل العيش لحظة واحدة بعد ممات أحبائي لكنه كما قلت من قبل يتحدى قوانين الزمن. 

سألته ذلك السؤال المُلح في ذهني والذي هو سبب زيارتي من الأساس “من هو العدو الخفي الذي رأيته؟” ظننت انه قاتل مأجور أو بعض الأشباح والخيالات التي يتوهمها أو حتى سارق يريد سرقته لكنه أحبط كل مخططي حينما تحدث عن شيء في منتهى الأهمية هو من ألد الأعداء بالفعل. 

الذكريات، نعم الذكريات هي العدو الخفي لهذا الإنسان، أنه يعيش في بحر من الأنين، أنين الحنين إلى الماضي  إلى أحبائه، يطارده كل ليلة عند منامه يظل مستيقظًا طوال الليل عله يجد احدًا يدخل إليه يُلقي عليه السلام أو يجالسه ويسامره، ويظل في لوعةٍ إلى أن يغافله النوم فيحلم بهم وهم يحيطون به ويجذبونه إليهم فيقوم مرعوبًا.

لكنه في هذه اللحظة بالذات أخبرني أنه يريد النوم فقد اطمأن إلي وأوصاني أنه إن مات الأن أن أضع تلك الصورة التي في يده في الركن المخصص لها، فقد كان هذا مايريده منذ أمد بعيد أن يقوم أحدهم بوضعه معهم في ركن واحد. 

وأخلد إلى النوم الطويل وأغرورقت عيناي بالدموع، أنه الآن ينعم بصحبتهم وربما أصبح أكثر شبابًا من ذي قبل، نفذت وصيته وعلقت صورته على الجدار ثم أبلغت جيرانه أنه توفى، الكل كان يتوقع ذلك حتى أنهم لم يتكلموا معي في شىء، حملوا الجثمان إلى مثواه الأخير أما أنا فقد عزمت على أن أخبر قصته للقاصي والداني وأن أحول بيته إلى متحف يرتاده أصحاب الأنين ليروا قصة رجل عاش بما قد يعيشه زمرة من الناس يفتقدون أحباؤهم حتى يلقوهم.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
الصفحة السابقة 1 2
error: Content is protected !!