بروفايل

سوزان علوان “كلماتٌ من رحم الألم”

بقلم: هاجر عبد السلام

الليلة الماضية كنت أحكي لأبي أنني متيمة بكتب وعبارات سوزان عليوان لأنها سوزان عليوان ولا شخص آخر، تشعرني أنها تمتلك الأحرف بين يديها كأنها عجينة لينة صنعتها بنفسها، وتشكّلها كيفما تشاء لتصير أجمل وجعًا يمر خلالي لا يمر بي فقط.

سوزان عليوان التي ولدت في بيروت كان من الطبيعي جدًا أن تكون رسامة؛ أثر الطبيعة الخلابة التي تسكن بها الأكيد أنه ساعدها، وبسبب الحرب قضت سنوات المراهقة بين الأندلس وباريس والقاهرة أظن أن ذلك السبب الرئيسي وراء الألم الذي يختبئ بين نصوصها؛ الغربة تُشقي.


تخرجت من كلية الصحافة والإعلام عام ١٩٩٧ من الجامعة الأمريكية وصدر لها الكثير من الأعمال: عصفور المقهى، مخبأ الملائكة، شمس مؤقتة، ما من يد، كائن اسمه الحب، كراكيب الكلام، كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم، ما يفرق الوصف، رشق الغزل، معطف علق حياته عليك وغيرهم كما أن أبرز أعمالها بيت من سكر.

كان عمري خمسة عشر عامًا حينما بدأت أقرأ لسوزان عليوان، أول جملة وقعت عيني عليها “حملت نعش طفولتي على كتفي ومشيت في جنازة أحلامي” كنت بالفعل فقدت حلمًا كان حينها أكبر أحلامي فلم أعتبرها صدفة أبدًا ومن وقتها لم أتوقف أبدًا عن القراءة لها، على مدار ثلاث سنوات بعدها من وداع الأحلام والركض في طرقات خاطئة اكتشفت أنني خسرت كثيرًا وكسبت نفسي.

سوزان عليوان الملهمة الأولى والأفضل دائمًا، مبهرة جدًا لديها قدرة رهيبة أن تجعلك تسبح بين كلماتها، يوجعك شعور الحزن بين السطور، ويفرحك أن هناك من يستطيع أن يوصف مشاعرك التي لا تستطيع البوح عنها بهذه الدقة، في الحقيقة ليس فقط براعتها الأدبية ما تبهرني بل ويبهرني أنني أشبهها، تساؤلاتي التي كنت أظن أنني وحدي مَن يفكر بها، وجدتها عندها بنفس الشكل ونفس الشعور.

تقول سوزان عليوان “لو أن هذا الدب القطبي الحزين يبتسم، لو أن هذه الأزهار الذابلة تبتسم، لو أن صورتك العابسة فوق الجدار المعتم تبتسم، أنام الليلة.” وأقول علاوة على ذلك لو أن ذاك العصفور الذي رأيته وحيدًا اليوم يبتسم، لو أن الطفل المشرد في الشارع المقابل للمسجد الذي أصلي فيه يبتسم، ولو أن القطة الجوعى بين الطرقات تبتسم، سأنام الليلة..

“أقسو كي لا يكسرني حناني.” من السهل جدًا أن يكتب الإنسان لكن أن يلمس ما يكتبه شيئًا داخل القلب فهذا هو الإبداع، وفي محاولة منها لوصف ما يخبئه لنا القدر قالت: يحبها وتحبه لكن كلابه لا تحب قططها، وقططها لا تحب عصافيره، والفراشات هي الأخرى لا تحب مثل هذه الخلافات اليومية تحت سقف واحد من أجنحتها، وبمعنى آخر هو يحبها وهي تحبه لكن الحياة لا تحبهما معًا.


كنت كتبت في إحدى النصوص “دافئة وحنونة فكرة أن أرى ظلك يتمايل على ظلي” صادفني بعدها لسوزان مقولة “في ظله فقدت ظلي” أعتقد أن هذا التعبير أكثر الطرق بلاغة للتعبير عن الوقوع في الحب.

عزيزتي سوزان تعلمين شيئًا؟ من الأساس أنا لا أحب كتابة المقالات؛ أراها جامدة وخالية من المشاعر، وهذا ينقصها؛ لأنني دائمًا أقول أن العيش بلا شعور أشبه بسماء مظلمة بلا نجوم، لقد تمالكت نفسي وحصلت على بعض الجرأة التي تجعلني أكتب عنكِ، ليس لأي شيء سوى أنني لم أجد مفرًا من رغبتي في هذا، لروحك السلام دائمًا.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *