ابداعات

لا تكن عاديًا في معارفك

هاني منير

جميعنا يمر بمرحلة التعليم المدرسي وعندما تنقضي فترته الزمنية -أيًا كانت طويلة أو قصيرة- تنتابنا حالة من الخمول والركود المعرفي، فمعظمنا لا يحب المعرفة لذاتها، بل نتعلم لأجل العمل، أو لأجل الشهادة الرسمية فقط لا غير، مما يجعلنا منحصرين في المعرفة كمعلومات صَمّاء يتم حفظها واستذكارها بغرض اجتياز الاختبارات وكفى، وسرعان ما نخرج خاليين الوفاض ولا نجد لنا في الحياة ما يُسعفنا، فنحن لم نهتم بأن نختزن في ذاكرتنا شيئًا نرتكن عليه ونلجأ إليه عند الحاجة.

ما أحوجنا اليوم إلى تبني نهجًا جديدًا في تعاملنا مع المعارف، فحينما تنتهي رحلة التعليم المدرسي لا ندعها تأخذ معها رحلة التعلم الذاتي، فقد قال أينشتاين مقولته الخالدة: “إنَّ التعليم المدرسي سوف يجلب لك وظيفة، بينما التعلم الذاتي سوف يجلب لك عقلًا”.
نعم العقل هو الأبقى وهو الذي ينبغي علينا أن نعتد به، فهو الذي يُعوَّل عليه بناء حياتنا ومجتمعاتنا.

حتمًا ستنتهي رحلة التعليم المدرسي، ولكن لم ولن تنتهي رحلة التعلم الذاتي لجعل أنفسنا أهلًا للحياة، دائمة التقلب والتغير والتطور، فلنكن إذًا أهلًا لها لا بما نتعلمه من الكتب فقط، بل بما تنحته فينا الخبرات المتتالية كما قال أنطون تشيخوف: “إن الفارق بين شخصيتك اليوم وشخصيتك بعد خمسة أعوام أمران لا ثالث لهما الكتب التي تقرأها والأشخاص الذين تتعامل معهم” وأضيف وصفًا على تشيخوف حتى يتجلى المعنى أكثر بأنَّ الكتب لابد أن نقرأها بعمق، والأشخاص نتعامل معهم عن قُرب؛ لأنَّ القراءة العابرة لا تصنع عقلًا، وكذلك الأشخاص العابرون الذين يمرون في حياتنا مرور الكرام لا يمكنهم أن يُحدِثوا الفارق في حياتنا، بل الأشخاص الذين يستوطنون القلب والفكر؛ فكثيرون حولنا وقليلون معنا ونادرون مَن هم فينا.

تهنئتي ومحبتي وأمنياتي القلبية لكل خريج بحياة حافلة بالتميز والعطاء والإبداع؛ فالحياة لا مكان فيها إلاَّ للمتميزين.
نعم كل إنسانٍ أهلٌ للتميز وأهلٌ أن يحيا الحياة في ملئها.
ما أسهل علينا أن نكتب تهنئةً عاديةً عابرةً لأحبائنا في هكذا مناسبات، ولكننا بحاجة إلى أن نرتقي بعقولنا وبعقول مَن نُحبهم ونثق أنَّ عقلياتهم لا ينفع معها كل ما هو عادي ولا ما جرت عليه العادة، فالعادة قتلت كل شيء وقتلت حتى الإنسان!

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!